إنّ هذا السلوك الإستعلائي قديما وحديثا ما هو إلاّ نتيجة لامتلاك أسباب القوة المادية والسيطرة عليها من قبل شخص أو أشخاص يتميّزون بعقد نفسية وأفكار وتصورات جاهلية، ومثال ذلك الإعجاب بالذّات وهو مرض يصل بصاحبه-إذا تضخَّم في نفسه وتعمَّق-أن يعبد ذاته؛فكلما زاد إعجابه بذاته زاد تأليهه لنفسه حتى إذا تهيأت له الظروف المناسبة كما تهيأت لفرعون نصّب نفسه إلها من دون الله، أو هو الشعور بحب الإنتقام لأسباب كثيرة، أو الشعور بالنّقص حيث يُراد تعويض هذا النّقص بمظاهر الاستعلاء والتّرفع.. فإذا اجتمعت الإمكانيات وتلك الشخصية المريضة وُجِد السلوك الخطير في واقع الحياة. فقد تُوجد الشخصية الحاملة للمرض ولكنّها لم تجد فرصة للتعبير عن ذاتها، وهذا ما نفسر به خصومة بعض النّاس للطاغوت حتى إذا ما منحه الطاغوت بعضاً ممّا يُشبع به رغباته سكت عن المخاصمة وأصبح في سلك النّظام.
فالعلوّ الذي يُمارسه البشر سمة مخيفة مرعبة تجعلك تدرك مدى الخطورة التي مثّلتها شخصية فرعون حين تطاولت على خالقها وانفلتت من كلِّ القيم، فلا غرابة إذن حين نراه مستعليا متبجحا في سحق من سوّلت لهم أنفسهم الخروج عن سلطانه المزعوم، فها هو يقول بمليء فمه’’وإنّا فوقهم قاهرون‘‘(١). وهي نفس الكلمات التي نسمعها من فراعنة العصر مثل: سنسحق، وسنجتث، وسنلاحقهم في كل مكان، وليس لهم مكان آمن فوق الأرض… وتلك هي (صفة الفوقية والمراد بها العلو من غير جهة، وقد قال فرعون: وإنّا فوقهم قاهرون، ولا شك أنّه لم يرد العلو المكاني)(٢).

(١) الأعراف: ١٢٧].
(٢) اتقان ما يحسن من الأخبار(٢/١٩).


الصفحة التالية
Icon