كما أنّنا نلاحظ في خطابات فرعون وبياناته لقومه ثقته بكلّ كلمة يقولها، فلا يستثني أبدا!فليس عنده أدنى شك بقدرته واستطاعته على تنفيذ ما يقول، وذلك هو الشعور بالعظمة والاقتدار الذي ملأ نفس فرعون ففاضت به كلماته وتصرفاته، ومن هنا كان(تفسير ذكر العلو في الأرض باستضعاف الخلق بذبح الولدان وسبي النساء)(١).
إنّ توفر أسباب القوة والذي نشاهده اليوم عند من لا قيم عنده ولا أخلاق لهو ما يُنذر بالخطر، ويجعل البشرية جمعاء تعيش حالة من الخوف والرعب والترقب والذل والإهانة؛وقد ظهرت عليهم نزعة التسلط على رقاب النّاس واستعبادهم لشهواتهم ونزواتهم ومصالحهم، بل سولت لهم أنفسهم إخضاع النّاس لتصوراتهم ومعتقداتهم وطريقة ومنهج حياتهم. فلم يعودوا يروا سوى أنفسهم.
إنّ النّظام العالمي الجديد-والذي تحاول قوى البغي أن تفرضه على الشعوب-إفراز حتميّ لتلك النزعة الفوقية، وهذا يعني بالتأكيد أنّ هذا النّظام لا يُبنى إلاّ على حطام الإنسانية وتحطيمها، وهو عين ما نشاهده من تدمير للعلاقات الإنسانية في جميع أشكالها، فانتشرت الأمراض الإجتماعية كالحسد والعدوان والحقد والتدابر والبغضاء والكراهية فيما بين الناس.. فهو نظام تسلطي لا يقوم إلاّ على أساس تفريغ الحياة من مضامينها الإنسانية الرفيعة، وقتل القيم الأخلاقية.

(١) الباقلاّني: أبو بكر، محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم، إعجاز القرآن، جزء واحد، تحقيق: عماد الدّين أحمد حيدر، ط٣، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، لبنان، ١٤١٦هـ-١٩٩٥م. (٩٣ ١)وسأشير إليه لاحقا هكذا(اعجاز القرآن).


الصفحة التالية
Icon