فكان ردّ موسى عليه السلام ببسط مسألته، وقد أحس بضخامة المهمة وخطورتها ووعورتها، فطلب كل ما يساعده على المواجهة؛ذلك أنّ موسى عليه السلام تربى في قصر فرعون ويعلم من هو فرعون، ويعلم ماذا فعل ببني إسرائيل، فطلب من الله التيسير’’قال رب اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني، يفقهوا قولي، واجعل لي وزيرا من أهلي، هارون أخي، اشدد به أزري، وأشركه في أمري‘‘(١)، لأنّه ضاق موسى صدرا بما كُلِّف من مقاومة فرعون وجنوده، فسأل الله تعالى أن يوسع قلبه للحق وينوره بالإيمان والنّبوة حتى لا يخاف فرعون وجنوده، وليحتمل الوحي والمشاق وردئ الأخلاق من فرعون، وسأل الله أن يسهل عليه ما أمره به وبعثه له من تبليغ الرسالة إلى فرعون، وأن يحلل عقدة من لسانه(٢)، وأن يجعل له وزيرا من أهله هارون أخيه: أي ظهيرا يعتمد عليه ويعينه على تبليغ الرسالة (٣).
إنّ تجاوز فرعون الحد والإفراط في المعصية له أسبابه؛فالطغيان مهما كانت درجة حدَّته ينبع من مشاعر الاستغناء بسبب كثرة المال أو امتداد الجاه أو غزارة العلم أو قوة في البدن.. وقد تجتمع أسباب عدة-كما هو الحال عند فرعون حين كثُر ماله وجنده وأتباعه وامتد جاهه وسلطانه-حينئذ يَصِلُ الطغيان حالته الهستيرية وهي الحالة المتمثلة بشخص الطاغوت فرعون. يقول تعالى:’’كلاّ إنّ الإنسان ليطغى، أن رآه استغنى‘‘(٤)، فالعلاقة مطردة بين الإستغناء والطغيان، فبمقدار ما يستغني الإنسان-إلاّ من خاف مقام ربه ونهى النّفس عن الهوى-بمقدار ما يطغي.

(١) طه: ٢٥-٣٢].
(٢) ولو سأل الجميع لزال ولكن الأنبياء لا يسألون إلا بحسب الحاجة، ولهذا بقيت بقية، قال الله تعالى إخبارا عن فرعون أنه قال:’’أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين‘‘أي يفصح بالكلام)تفسير ابن كثير(٣/١٤٧-١٤٨).
(٣) انظر: تفسير القرطبي(١١/١٩٢)وزاد المسير(٥/٢٨١)وتفسير النسفي(٣/٥٣، ٥٤).
(٤) العلق: ٦، ٧].


الصفحة التالية
Icon