إنّ تجاوز الحدّ في الجريمة والإفراط فيها يَنتجُ عنه آثار مدمرة وفساد وخلل في كل شيء، وهو ما يُرشد إليه قوله تعالى:’’وفرعون ذي الأوتاد، الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد‘‘(١)؛ذلك أنّ الطغيان يفسد الطاغية ويحوله إلى كائن مفترس بلا مشاعر وأحاسيس، وهذا ما نراه في بعض الجرائم التي ترتكب ويصعب علينا أن نتصور أنّ بشرا يُقدم عليها. إنّهم يحرقون الأرض مع البشر بأبشع أنواع القتل والتدمير، وبأعتى الأسحلة وأفظعها دون رحمة أو شفقة. ولا عجب فتلك هي نفسية الطاغوت، وتلك هي شخصية فرعون تظهر مرة بعد مرة!
والطغيان يُفسد العلاقة بين الطاغية والجماهير فهو ينهب خيراتهم وأموالهم ثمّ يُسيء التصرف بها، ويمنعهم من حرية التعبير والمشاركة، فتنعدم مشاعر الإنتماء للدولة، وتصبح الجماهير مستعدة لفعل كلّ شيء تصل إليه أيديها ما دامت آمنة من الملاحقة والمراقبة والقانون؛فالعلاقة بين الحاكم والمحكوم-في ظل الطاغوت-مشحونة بالحقد والكراهية، تدور بين كيد الطاغية وتدبيره وبين ردّ الجماهير على هذا الكيد والتدبير، فكلّ طرف يتربص بالطرف الآخر.
إنّ النّاس في ظلّ شخصيته الطاغية أصفار لا وزن لهم ولا قيمة، حيث لا يوجد متسع للحشائش الصغيرة في ظلّ الأشجار الكبيرة، فلا نور ولا هواء، فيبقى النّاس في الهامش وتسلط الأضواء على صاحب الجلالة!فهو الحكمة والشجاعة والكرم…وهو الملهم الذي جاد به الزمن!فلولاه لما كان الرخاء والعلم ولجاع الناس وفسدت الأرض!ولولاه لأصبح النّاس أيتاما لا راعي لهم…إنّه إله سواء نطق بها كما فعل فرعون أم لم ينطق بها كما هو حاصل اليوم!

(١) الفجر: ١٠-١١].


الصفحة التالية
Icon