ولأنّ الطاغية فاسد في جوهره ليس عنده شيء وليس هو على شيء، ويعيش حالة نفسية فقيرة خاوية من المعاني التي تُرضي الإنسان وتُقنعه بمبرر وجوده، فهو يعيش عقدة الصِّغر في ذاته مناقضا لما يُظهره للنّاس من الانتفاش، وبسبب هذا الواقع المرّ نراه يحقد على كلّ من يرى فيه قدرة على استمالة الجماهير والفوز بثقتها، وبهذا نفهم المحاولات الضخمة من أجل إقصاء الجماعة المسلمة عن الحياة السياسية، بل وعزلها ما أمكن عن حياة النّاس، لما تتمتع به من مميزات تجعلها أمل الجماهير. بينما يعيش الطاغوت أسير المخاوف والعقد النفسية؛ذلك أنّ الطاغوت لا يستمد شرعيته من الإرادة الحرة للجماهير، فهو يحكمهم بالقسر والقهر، ولذلك يبقى الطاغية متخوفا متوجسا لأنّه يُدرك تلك الحقيقة.
المبحث الرابع
الظلم
(الظلم: وضع الشيء في غير موضعه)(١)،(وأصل الظلم الجور ومجاوزة الحد… والظلم الميل عن القصد)(٢). والظلم بكل معانيه وصوره ملازم لفرعون كالظّل، وهو من خصائص شخصيته التي بيّنها القرآن الكريم، لأنّ تلك الشخصية وضعت نفسها في غير موضعها بدعواها للربوبية والألوهية، بمعنى أنّ أساس هذه الشخصية ومنبتها قائم على الظلم، ثمّ تَرَتَّب على هذا الأصل كل أنواع الظلم الأخرى، لأنّ سلوك فرعون وتصوره ومنهجه…كل ذلك قائم على ذلك الأصل الظالم بوضع شخصيته في غير موضعها. وهو بذلك جار على الحق والحقيقة وجاوز كل حد، ومال عن القصد كلّ الميل فكان من الناكبين، وهذا هو الظلم.

(١) الفيروزآبادي: محمد بن يعقوب،(ت٨١٧هـ)، القاموس المحيط، جزء واحد. فصل الظاء، مادة: الظلم(١٤٦٤)، وسأشير إليه لاحقا هكذا(القاموس المحيط)، ولسان العرب، مادة ظلم(١٢/٣٧٣).
(٢) لسان العرب، مادة ظلم(١٢/٣٧٣)مع بعض التصرف. وانظر مختار الصحاح، مادة ظلم(١٧٠).


الصفحة التالية
Icon