لقد ظلموا-بزعامة فرعون وبتوجيه منه ودعم-بآيات الله، أي كفروا بها فجعلوا موضع ما يجب من الإيمان-الذي هو من حقها لوضوحها-الكفر فقيل: ظلموا بها بمعنى كفروا بها، ولهذا أجري الظلم مجرى الكفر لكونهما من واد واحد (١)، (فالظلم وضع الشيء في غير موضعه)(٢)،(والكفر بآيات الله وضع لها في غير موضعها وصرف لها إلى غير وجهها الذي عنيت به)(٣).
وكان ظلمه عظيما لأنّ( كفره بالآيات التى جاء بها موسى كان كفرا متبالغا، لوجود ما يوجب الإيمان من المعجزات العظيمة التى جاءهم بها، والمراد بالآيات هنا هى الآيات التسع)(٤)، والتي أرشد إليها قوله تعالى:’’ولقد آتينا موسى تسع آيات بيّنات‘‘(٥).
ويتعاظم ظلم فرعون كلما تنوعت وتعددت الآيات، فردّ الدليل مع ازدياد قوته يوجب أشدّ العذاب، ولهذا كان قوله تعالى في شأن المائدة التي طلبها بنو إسرائيل من عيسى عليه السلام:’’إنّي منزّلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإنّي أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين‘‘(٦).

(١) انظر: النحاس: أبو جعفر،(ت٣٣٨)، معاني القرآن الكريم، تحقيق: محمد علي الصابوني، ط١، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، ١٤٠٩هـ.(٣/٦٠)، وسأشير إليه لاحقا هكذا(معاني القرآن)، وتفسير البيضاوي(٣/٤٥)وتفسير ابي السعود(٣/٢٥٧)وتفسير النسفي(٢/٢٧-٢٨)والكشاف(٢/١٣١).
(٢) تفسير القرطبي(٧/٢٥٦). وانظر: تفسير الطبري(٩/١٣)وتفسير البغوي(٢/١٨٥).
(٣) تفسير الطبري(٩/١٣).
(٤) فتح القدير(٢/٢٣١).
(٥) الإسراء: ١٠١].
(٦) المائدة: ١١٥].


الصفحة التالية
Icon