وها هي الآيات تأتي فرعون مبصرة(إشعارا بأنها لفرط اجتلائها للأبصار بحيث تكاد تبصر نفسها لو كانت مما يبصر، أو ذات تبصر من حيث إنها تهدي، والعمي لا تهتدي فضلا عن أن تهدي، أو مبصرة كل من نظر إليها وتأمل فيها، فكان رد فرعون ومن تبعه أنّ هذا سحر مبين واضح سحريته، وجحدوا بها وكذبوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وترفعا عن الإيمان)(١)، أي تيقّنوا أنها من عند الله وأنها ليست سحرا، ولكنّهم كفروا بها وتكبّروا أن يؤمنوا بموسى، وهذا يدل على أنهم كانوا معاندين ظالمين على غير استحقاق للجحد (٢)، فالظلم يحمل صاحبه للجحود مهما كانت الآيات والمعجزات، وهو مصداق قوله تعالى :’’ولكنّ الظالمين بآيات الله يجحدون‘‘(٣).
ولقد أفرط فرعون في ظلمه وبارز الرب بالمخالفة، وادعى أنّه الرب الأعلى، فإن لم يكن ظالما فهو الظلم بعينه، فصار الخروج من ظلّ شخصيتة الظالمة نجاة وطمأنينة، وذلك ما أراده الرجل الصالح من مدين من قوله لموسى:’’لا تخف نجوت من القوم الظالمين‘‘(٤)،(يريد فرعون وقومه. فطب نفسا وقرّ عينا فقد خرجت من مملكتهم فلا حكم لهم في بلادنا، فليس لفرعون ولا لقومه علينا سلطان، لأنّ مدين كانت خارجة عن مملكة فرعون)(٥).

(١) تفسير البيضاوي(٤/٢٦١)مع بعض التصرف.
(٢) انظر تفسير القرطبي(١٣/١٦٣)وتفسير الطبري(١٥/١٧٤)والثعالبي: عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف، الجواهر الحسان في تفسير القرآن، ٤أجزاء، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت.(٣/١٥٧)، وسأشير إليه لاحقا هكذا(تفسير الثعالبي).
(٣) الأنعام: ٣٣].
(٤) القصص: ٢٥].
(٥) تفسير ابن كثير (٣/١٥١، ٣٨٥). وانظر: تفسير القرطبي(١٣/٢٧١)وتفسير الطبري(٢٠/٦١)ومعاني القرآن(٥/١٧٥)وتفسير الواحدي(٢/٨١٦)وتفسير البغوي(٣/٤٤٢)وفتح القدير(٤/١٦٨)وزاد المسير(٦/٢١٥)وتفسير النسفي(٣/٢٣٣).


الصفحة التالية
Icon