لقد أخذ الله فرعون وأخذ جنوده الذين شاركوه في ظلمه، يقول تعالى:’’فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم، فانظر كيف كان عاقبة الظالمين‘‘(١)، فانظر كيف أخذ الله فرعون على ضخامة ظلمه مع الجنود على صغر ظلمهم بالمقارنة مع فرعون، لأنّ أدنى مساندة للظالمين تجعل صاحبها يستحق العقوبة نفسها، فالأتباع والمتبوعون في العقوبة سواء كما هو واضح في كثير من المواضع في القرآن؛وذلك لأنّ الظالم لا يقوى على الظلم والعدوان وحده دون مُعين؛فبقاء الظلم والعدوان مرتبط بالمساندين والراضين وحتى الساكتين بغير عذر شرعي، الذين يُشكلون البنية التحتية للظلم. يقول تعالى:’’ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون‘‘(٢)، و(الركون حقيقة الاستناد والاعتماد والسكون إلى الشيء والرضا به)(٣)، فالرضا بالظلم من قبل النّاس يُجمّل وجهه القبيح، ويؤدي إلى أن يُصبح وجها مقبولا بدل أن يكون منبوذا ومحاربا، كما أنّه يُغري الظالم بالاستمرار في ظلمه، وربما يُغريه لتوسيع دائرة ظلمه، طالما هو وجه مقبول ومَرْضيٌّ عنه.
الظلم قلب للأوضاع
ما دام الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه فهو قلب للأوضاع، وأخطر الظلم هو وضع مناهج للحياة بدلا عن منهج الله سبحانه، فتصبح الحياة مقلوبة بالكامل، وهذا هو منشأ الظلم الذي نشاهده اليوم بكافة أشكاله وألوانه، وذلك ما يرشد إليه قوله تعالى:’’ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون‘‘(٤)، أي(المبالغون في الظلم المتعدون لحدوده تعالى الواضعون للشيء في غير موضعه)(٥)، والمعنى أنّ كلّ حكم بغير ما أنزل الله وضع للأمور في غير موضعها، ممّا يفسر لنا هذا الإنتشار المرعب للظلم في مشارق الأرض ومغاربها؛فمن المستحيل أن توضع الأمور في موضعها ما دامت شريعة الله مستبعدة عن حياة النّاس.

(١) القصص: ٤٠].
(٢) هود: ١١٣].
(٣) تفسير القرطبي(٩/١٠٨).
(٤) المائدة: ٤٥].
(٥) تفسير أبي السعود(٣/٤٣).


الصفحة التالية
Icon