وحتى تستقيم الحياة وتوضع الأمور في موضعها، ويقوم النّاس بالقسط لا بدّ من ميزان الشرع، وهذا ما يُرشد إليه قوله تعالى:’’لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم النّاس بالقسط‘‘(١). أي(ليعمل الناس بينهم بالعدل)(٢).
وقد يدعي البعض ممّن تحكموا في رقاب النّاس أنّهم مسلمون وأن بلدهم الذي يحكمونه مسلما…ولكنّهم كاذبون في دعواهم، فالواقع العملي يقول: أنّ الحكم المطبق هو حكم الشيطان والهوى، فلعنة الله على الظالمين.
المبحث الخامس
الإفساد
الفساد-لغة- (نقيض الصلاح)(٣)، و(المفسدة ضد المصلحة)(٤)، فهو-أي الفساد-خلل يطرأ على الأشياء فيمنع الاستفادة منها، ويحيلها إلى وضع تستحيل معه المنفعة، فالطعام الفاسد لا يُؤكل، والشراب الفاسد لا يُشرب…وكلّ ما طرأ عليه الفساد يخرج من دائرة الانتفاع به، وهكذا حياة النّاس قد يصيبها الفساد، فيتبدل الأمن خوفا، والعدل جورا، والطمأنينة قلقا واضطرابا…وينحرف سير الحياة عن الغاية التي خلق من أجلها الإنسان، فتتعطل الوظيفة المناطة بالبشر كما لو حصل الخراب بآلة فَعَطَّلها عن أداء وظيفتها.
وتكون خطورة الفساد متناسبة مع أهمية الجزء المصاب من حياة النّاس ومدى حيويته، ففساد العقيدة والتّصور أخطر من فساد التشريع. وتشتدُّ خطورة الفساد ويزداد تأثيره مع طول الفترة التي يبقى بها الخلل قائما، لأنّه قد يتحوّل إلى مرض مزمن يصعب الخلاص منه.

(١) الحديد: ٢٥].
(٢) تفسير الطبري(٢٧/٢٣٧).
(٣) كتاب العين، مادة: فسد(٧/٢٣١)، و(الفساد نقيض الصلاح…ويقال: أفسد فلان المال يفسده إفسادا و فسادا)لسان العرب، مادة: فسد(٣/٣٣٥).
(٤) مختار الصحاح، مادة: فسد(٢١١).


الصفحة التالية
Icon