وأصل فساد فرعون وإفساده أنّه كان من المكذبين الكافرين بآيات الله، يقول تعالى:’’ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين‘‘(١)، ويقول تعالى:’’فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين، وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين‘‘(٢).(أي الذين صدّوا عن سبيل الله وكذبوا رسله)(٣)، وكم بذل فرعون جهودا ليلا ونهارا للصد عن سبيل الله، حتى أنّه يصح منّا القول: إنّ وظيفته ووظيفة من حوله من الملأ والحاشية والجند ليست سوى الصد عن سبيل الله، وهكذا هي حال كل سلطة حاكمة تمارس الإفساد.
والمعنى(فانظر كيف كان عاقبة المفسدين أي المكذبين بالآيات الكافرين بها وجعلهم مفسدين لأنّ تكذيبهم وكفرهم من أقبح أنواع الفساد)(٤)، لما يترتب على هذا التكذيب من آثار خطيره، حيث لا تصلح الحياة إذا كُذّب بآيات الله وكُفر بها، و(وضع المفسدين موضع ضمير الظالمين للإيذان بأن الظلم مستلزم للإفساد)(٥)، ففرعون ظالم ومفسد، وكأنّ شخصيته موضع لكل رذيلة، فهذه الرذيلة مرتبطة مع رذيلة أخرى، وتلك مفسدة تفرز مفسدة أخرى.

(١) الأعراف: ١٠٣].
(٢) النّمل: ١٣-١٤].
(٣) تفسير ابن كثير(٢/٢٣٦).
(٤) فتح القدير(٢/٢٣١).
(٥) تفسير أبي السعود(٣/٢٥٧)وانظر: روح المعاني(٩/١٨).


الصفحة التالية
Icon