(إنّ الفساد يصيب تصورات الناس كما يصيب حياتهم الاجتماعية حين يكون أرباب متفرقون يتحكمون في رقاب العباد من دون الله، وما صلحت الأرض قط ولا استقامت حياة الناس إلاّ يوم أن كانت عبوديتهم لله وحده –عقيدة وعبادة وشريعة- وما تحرر الإنسان قط إلاّ في ظلال الربوبية الواحدة، ومن ثّم يقول الله سبحانه عن فرعون وملئه:’’فانظر كيف كان عاقبة المفسدين‘‘(١). وكل طاغوت يخضع العباد بشريعة من عنده، وينبذ شريعة الله، هو من المفسدين الذين يفسدون في الارض ولا يصلحون ؟)(٢)؛ذلك أنّ صلاح هذا الكون بالقوانين التي تحكمه، فهو مسخر من الله بتلك القوانين، وبالتالي أصبح نافعا، وحين يطبق النّاس قانون الله-أي شرعه-في حياتهم تصبح مفيدة مؤدية لغايتها كما هو حال هذا الكون، فالشرع هو الذي يُنظم حياتنا لتصبح صالحة ومفيدة، فإذا استثني الشرع تصادمت الأهواء والأغراض وحصل الخلل والفساد.
ثمّ كانت نهاية هذه الشخصية المفسدة بائسة وعاقبتها وخيمة، فالله يُمهل ولا يُهمل، فبفسادهم صب عليهم ربك سوط عذاب، وأنزل عليهم رجزا من السماء، وأحل بهم عقوبة لا تُردُّ عن القوم المجرمين، وقص علينا خبرهم ليكون من هذا القصص والخبر عبرة لكل فاسد مفسد، فلا يقعوا فيما وقع فيه أسلافهم، لأنّ سنة الله واحدة لا تبديل فيها ولا تحويل، يقول تعالى:’’حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنّه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين، آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين‘‘(٣). أي(الصادين عن سبيل الله)(٤).
وهكذا تكون آخر اللحظات إعلان من الله سبحانه أنّ فرعون من المفسدين، فتُختم صفحة حياته الفاسدة بتسجيل وصمة العار التي تلاحقه وتلاحق كل مفسد، وتغيب بين الأمواج شخصية فاسدة مفسده عليها اللعنة من الله.
الفساد في ظل الطاغوت المعاصر

(١) النمل: ١٤].
(٢) في ظلال القرآن(٣/٥٩٦-٥٩٧).
(٣) يونس: ٩٠-٩١].
(٤) تفسير الطبري(١١/١٦٤).


الصفحة التالية
Icon