وفرعون على هدي هذا التعريف مستبد منفرد بالرأي والتصرف ويختصر الدولة في شخصيته، حتى صح القول منّا إنّ فرعون الدولة والدولة فرعون!وكيف لا يكون الأمر كذلك وهو الذي نصب نفسه إلها؟!وهل يقبل الإله رأي الآخر؟ أو حتى يسمح للآخرين أن يقدموا بين يديه! وما كان للعبيد أن يناقشوا أو يحاوروا إلههم، فهو لا يُسأل عمّا يفعل وهم يسألون!فلا عجب إذن بعد هذا المنطق الفرعونيّ أن تتميز شخصيته بالإستبداد المطلق لكونه إلها!وهذا يعني حرمان الناس من ممارسة حياتهم الطبيعية؛فالمستبد يفرض نفسه على النّاس بقهرهم على ما يريد، وتصبح الدولة في ظلّ المُستبد انعكاسا لشخصيتة وتعبيرا عن طموحاته ونزواته وشهواته.. وتُمسَخ شخصية الأمة وتقلُّ قدرتها على التغيير والتصحيح، ومع مرور الزمن تتعفن النفوس، وتتعايش مع الذل والاستحمار، وفي بعض المراحل تفقد الجماهير القدرة على الإستقلال، فتصير بحاجة إلى التدرج والتدريب حتى تستعيد عافيتها وتصبح قادرة على العيش مرة أخرى في ظلّ الحرية.
لقد ازداد استبداد فرعون تحت غطاء الدين؛فالنّاس بطبعهم يخشون الخروج عن رأي الدين ومخالفة الإله، ولا شك أنّ رجال الدين في عصره لعبوا دورا كبيرا في هذه القضية وإعطاء فرعون صفة القدسية، فهو-بزعمهم-إله لا يُخطىء ولا يجوز الخطأ عليه. وهي نفس الممارسة التي مارستها الكنيسة على النّاس في عصور الظلام في أوروبا. فباسم الدين تكمم الأفواه وتسجن الكلمة!ولهذا كانت ثورة النّاس في أوروبا على الدين كل الدين، لأنّهم ظنّوا أنّ كل دين هو كدين الكنيسة، بمعنى أنّ رفضهم للدين كان من واقع تجربتهم مع الدين المُحرَّف. وما من شك أن ديانة الفراعنة ليست سوى خرافات وأساطير قُصد منها تحقيق مصالح للمستفيدين منها.


الصفحة التالية
Icon