إنّ الإستبداد ملازم لدعوى الألوهية والربوبية التي زعمها فرعون لنفسه، وملازم لضعف الحجة والبرهان، فعندما تفلس الحكومة المستبدة في حججها وبراهينها-وهي التي تعلم قبل غيرها أنّها ليست على شيء-تلجأ للعصا ترفعها فوق رؤوس الجماهير منعا لأيّ رأي مخالف يكشف عن وهن فكرها وزيف عقائدها.
لقد أفرزت شخصية فرعون سلوكا ومنهجا وتصورا يدلّ على استبدادها، فالقرآن الكريم وإن لم ينص بالعبارة الصريحة على هذه الصفة في شخصية فرعون، ولكنّها صفة تعلم بمجرد النظر فيما أورده القرآن الكريم عن شخصية فرعون من أقوال وأفعال وسلوك ومنهج، وأهمها في هذا الباب وأوضحها ما ادعاه فرعون من ربوبية وألوهية، وما تبع ذلك من استعداد عند فرعون لفعل أيّ جريمة في سبيل المحافظة على ألوهيته وربوبيته المزعومة وإرغام النّاس على الإنصياع التّام لما يدّعي، مستبدا لا يقبل فيها رأيا ولا حجة، لأنّ ذلك يكشف تهافت دعوته، فعدل-كما يقولون- عن الحجة والبيان إلى السيف والسنان، وذلك معنى وجوهر قوله لموسى عليه السلام:’’لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنّك من المسجونين‘‘(١). ذلك أنّه لمّا قامت الحجة على فرعون بالبيان والعقل عدل إلى أن يقهر موسى بيده وسلطانه، وعدل إلى التهديد بدلا عن المحاجة بعد الإنقطاع وهكذا ديدن المعاند المحجوج (٢)الذي لا يقبل رأيا آخرا ولا يسمح لأيّ إنسان أن يتنفس.

(١) الشعراء: ٢٩].
(٢) انظر: تفسير البيضاوي(٤/١٧٦)وتفسير ابن كثير(٣/٣٣٤)وتفسير الطبري(١٩/٧٠).


الصفحة التالية
Icon