وللإستبداد وسائله التي بها يخرس كل صوت ويقتل كل فكر، فها هو فرعون يلوّح لموسى بالعصا الغليظة المعهودة عند أولئك المستعبدين في ظل فرعون المستبد، يسلطها في وجه موسى عليه السلام،’’لأجعلنّك من المسجونين‘‘،(أي لأجعلنّك ممن عرفت أحوالهم في سجوني حيث كان يطرحهم في هوة عميقة حتى يموتوا ولذلك لم يقل لأسجننك)(١)، فسجونه معروفة معهودة، تنشر الرعب وتُسكت الأصوات!وهكذا تنتشر السجون في كل مرة تحكم فيها شخصية مستبدة، وبهذا-أيضا-نفسر حجم الشدة التي يُقمع بها أصحاب الدعوة الإسلامية في هذا الزمان.
وبحجم الإستبداد الممارس من قبل فرعون-ومن شاكله-كانت سجونه مرعبة مخيفة،(فسجنه أشد من القتل لأنّه كان يأخذ الرجل فيطرحه في مكان وحده فردا لا يسمع ولا يبصر فيه شيئا)(٢)،( وكان إذا سجن أحدا لم يخرجه حتى يموت)(٣)، ليكون لمن تُسوّل له نفسه رفع رأسه برأي عبرة!
ومن الأدلة على استبداده قوله عز وجل:’’فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم‘‘(٤)، ومعنى الآية الكريمة أنّه(ما آمن له عليه السلام في مبدأ أمره إلا ذرية من قومه أي إلا أولاد بعض بني إسرائيل، حيث دعا عليه السلام الآباء فلم يجيبوه خوفا من فرعون وأجابته طائفة من شبانهم فالمراد من الذرية الشبان.
ووجه آخر في الآية أنّ المؤمنين من غير بني إسرائيل-إذا كان الضمير في قومه عائدا إلى فرعون لا إلى موسى-أي من القبط قوم فرعون، كمؤمن آل فرعون. وفي إطلاق الذرية على هؤلاء نوع خفاء.

(١) تفسير ابي السعود(٦/٢٤٠)وانظر: تفسير النسفي(٣/١٨٣)وروح المعاني(١٩/٧٣).
(٢) تفسير البغوي(٣/٣٥٨)وانظر: تفسير الجلالين(١/٤٨٢)وتفسير النسفي(٣/١٨٣)وروح المعاني(١٩/٧٣).
(٣) فتح القدير(٤/٩٨).
(٤) يونس: ٨٣].


الصفحة التالية
Icon