ورجح بعضهم أن بني إسرائيل كانوا في قهر فرعون، وكانوا قد بُشروا بأنّ خلاصهم على يد مولود يكون نبيا صفته كذا وكذا، فلما ظهر موسى عليه السلام إتبعوه، ولم يعرف أنّ أحدا منهم خالفه، والمراد حينئذ فما أظهر إيمانه وأعلن به إلا ذرية من بني إسرائيل دون غيرهم فإنهم أخفوه ولم يظهروه بسبب خوفهم من فرعون وملئه، وربما بسبب خوفهم من أشراف بنى إسرائيل لأنهم كانوا يمنعون أعقابهم خوفا من فرعون عليهم وعلى أنفسهم.
وعلى كلّ حال فإنّ الخلاف في تحديد من آمن بموسى عليه السلام ليس هو الشاهد الذي نريد، إنّما أردت توضيح معنى الآية ليُفهم الشاهد منها، وهو أنّ الآية دلّت أنّ من آمن- حين آمن- كان على خوف من فرعون أن يفتنهم بالعذاب، فيصدهم ويصرفهم عن دينهم ويحملهم على الرجوع عن إيمانهم والكفر بالله، وإنّما أسند الفعل إلى فرعون خاصة لأنّه الآمر بالتعذيب (١). وبهذا تظهر شخصية فرعون الإستبدادية، وفي مقابلها فئة قليلة آمنت على خوف ووجل منه، وأخرى أعرضت عن الإيمان بالكلية!
ليس هذا فحسب فهناك نموذج آخر أفرزته شخصية فرعون الإستبدادية وهو كتمان الإيمان، يقول تعالى:’’وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم‘‘(٢)،(أي يُسّر إيمانه من فرعون وقومه خوفا على نفسه)(٣).

(١) انظر: روح المعاني(١١/١٦٨)وتفسير النسفي(٢/١٣٨)وتفسير ابي السعود(٤/١٧٠، ١٧١)وتفسير الطبري(١١/١٥٠، ١٥١)وتفسير القرطبي(٨/٣٦٩، ٣٧٠)وتفسير البيضاوي(٣/٢١١).
(٢) غافر: ٢٨].
(٣) تفسير الطبري(٢٤/٥٧).


الصفحة التالية
Icon