وبلغ الإستبداد في عهد فرعون أن سلك النّاس السريّة في صلاتهم، يقول تعالى:’’وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءأ لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة(١) واقيموا الصلاة‘‘(٢)، حيث كان بنو إسرائيل لا يُصلُّون إلا في كنائسهم وكانت ظاهرة، فلما أُرسل موسى أمر فرعون بمساجد بني إسرائيل فخُرّبت كلها ومنعوا من الصلاة، فأوحى الله إلى موسى وهارون أن اتخذا وتخيرا لبني إسرائيل بمصر بيوتا؛أي صلّوا في بيوتكم سرا لتأمنوا، وذلك حين أخافهم فرعون. فأمروا بالصبر واتخاذ المساجد في البيوت، وكان من دينهم أنهم لا يصلّون إلا في البيع والكنائس ما داموا على أمن، فإذا خافوا فقد أذن لهم أن يصلوا في بيوتهم (٣)، فلمّا خافوا على أنفسهم(أمروا أن يصلوا فى بيوتهم فى خفية من الكفرة لئلا يظهروا عليهم فيؤذوهم ويفتنوهم عن دينهم، كما كان المسلمون على ذلك فى أول

(١) واجعلوا بيوتكم قبلة)أي: واجعلوا بيوتكم مساجد تصلون فيها. وهو ما اختاره ابن جرير وذلك-كما يقول-(إنّ الأغلب من معاني البيوت-وإن كانت المساجد بيوتا-البيوت المسكونة إذا ذكرت باسمها المطلق دون المساجد، لأنّ المساجد لها اسم هي به معروفة خاص لها وذلك المساجد. فأمّا البيوت المطلقة بغير وصلها بشيء ولا إضافتها إلى شيء فالبيوت المسكونة، وكذلك القبلة الأغلب من استعمال الناس إياها في قبل المساجد وللصلوات، فإذا كان ذلك كذلك، وكان غير جائز توجيه معاني كلام الله إلا إلى الأغلب من وجوهها المستعمل بين أهل اللسان الذي نزل به دون الخفي المجهول ما لم تأت دلالة تدل على غير ذلك، ولم يكن على قوله واجعلوا بيوتكم قبلة دلالة تقطع العذر بأن معناه غير الظاهر المستعمل في كلام العرب، لم يجز لنا توجيهه إلى غير الظاهر الذي وصفنا، وكذلك القول في قوله: قبلة وأقيموا الصلاة)تفسير الطبري(١١/ ١٥٦، ١٥٥، ١٥٣).
(٢) يونس: ٨٧].
(٣) انظر: تفسير القرطبي(٨/٣٧١، ٣٧٢)وتفسير الثعالبي(٢/١٨٩)وتفسير الواحدي(١/٥٠٦)وروح المعاني(١١/١٧١).


الصفحة التالية
Icon