العيب الأول: أنّ الاستبداد وإكراه النّاس يقتل روح الإبداع في المجتمع، وهو سبب من أسباب تخلف البلاد الإسلامية في هذه الأيام، ومنبع الأزمات التي نعيشها في بلادنا ويعيشها العالم أجمع، فكثير من مظاهر التخلف والتفتت والتأزم ترجع لهذا السبب. كما يرجع إلى الإستبداد الإحتقان في العلاقات بين الحاكم والمحكوم، وانعدام الثقة فيما بينهما. ممّا أدى إلى انتشار الأجهزة البوليسية والمخابرات وغيرها من أجهزة التنصت على النّاس.
العيب الثاني: يكمن في أنّ المستبد حين ينفرد بالرأي، ويمتنع عن الأخذ بالمشورة والرأي الآخر، يصاب بعثرات كثيرة ومطبات متعددة؛ذلك أنّ الإنسان مهما وصل من الذكاء والفطنة والنباهة والعلم يبقى محتاجا للآخرين فهو لا يُحيط بكل شيء علما. وصدق من قال من شاور النّاس شاركهم في عقولهم، كما أنّ المشورة تجعل الآخرين يُحسون بوجودهم، ويتحملون المسؤولية مع الحاكم. وباستثناء النّاس تقل رغبتهم في التضحية من أجل المصلحة العامة، ويصبح سلوكهم سلبيا اتجاهها، كما ينعدم الإحساس بالإنتماء، وهذا ما نلاحظه في سلوك كثير من النّاس حين يُظهرون اللامبالاة، فتنشأ حالة من الخمول والشلل، وتنعدم روح الإبداع والمبادرة.
إنّ(الإستبداد السياسي-الذي نعانيه-ليس عصيانا جزئيا لتعاليم الإسلام، وليس إماتة لشرائع فرعية فيه، بل هو إفلات من ربقته ودمار على عقيدته..!!فبقاء الكفر في الأرض، والزيغ في شتى الأفئدة، يرجع إلى مسالك أولئك الذين شانوا تاريخنا ولوثوا دعوتنا، وأعزوا من أذل الله وأذلوا من أعز الله. إنّ الإستبداد صنع هذه الأوضاع وحماها، وقبر تحت ترابها الأخوة الإنسانية والدينية فليس ثمّ فرد يرغب ويرهب وآخرون يزدلفون ويرتقبون، ومراسم غريبة لوثنيات سياسية أعقد من الوثنيات التي اختلقتها الجاهليات الأولى)(١).

(١) الغزالي محمد، الفساد السياسي في المجتمعات العربية والإسلامية، ط٢، دار نهضة مصر، مصر، ٢٠٠٠م.(٥٦-٥٧)مع بعض التصرف.


الصفحة التالية
Icon