وقد دلّ القرآن على وهم فرعون وغروره في أكثر من موضع، مع أنّ القرآن لم ينص على ذلك صراحة ولكنّه أمر يعرف بالنّظر في الكتاب العزيز. وشواهدنا على ذلك كثيرة: منهاقوله تعالى -حكاية لقول فرعون حين أعلن السحرة إيمانهم بموسى عليه السلام-:’’قال آمنتم به قبل أن آذن لكم‘‘(١). وفي آية أخرى’’قال آمنتم له(٢) قبل أن آذن لكم‘‘(٣). فمن وهمه وغروره ظنّ أنّ قلوب الناس بيده يملك حتى إيمانهم، بل ويصل به الوهم والغرور أن يبدي تعجبا وإنكارا وتوبيخا’’آمنتم به قبل أن آذن لكم‘‘،(أي صدقتموه قبل أن آذن لكم في الإيمان، فتعديتم وفعلتم ما لم آمركم به، وكان ينبغي أن تستأذنوني فيما فعلتم ولا تفتاتوا على ذلك، فإن أذنت لكم فعلتم، وإن منعتكم امتنعتم(٤)، فإنّي أنا الحاكم المطاع) (٥)، فأيّ وهم وغرور غرق به فرعون إلى درجة يتصور معها أنّه يملك قلوب النّاس!

(١) الأعراف: ١٢٣].
(٢) قوله: قال آمنتم له. يقال: آمن له وآمن به، فمن الأول قوله:’’فآمن له لوط‘‘[العنكبوت: ٢٦]. ومن الثاني قوله فى الأعراف:’’آمنتم به قبل أن آذن لكم‘‘[الأعراف: ١٢٣]. وقيل: إن الفعل هنا متضمن معنى الإتباع. وقرئ على الاستفهام التوبيخي، أي كيف آمنتم به من غير إذن مني لكم بذلك) فتح القدير(٣/٣٧٦).
(٣) طه: ٧١].
(٤) و(ليس معنى كلامه –لعنه الله-أنه ربما سيأذن لهم، ولكنّ معنى خطابه كما في قوله تعالى: ( لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي)[الكهف: ١٠٩]. لا أن الإذن منه ممكن أو متوقع). تفسير أبي السعود(٦/٢٤٣)، وانظر: روح المعاني(٩/٢٧).
(٥) انظر: تفسير البيضاوي(٤/٦١)وتفسير القرطبي(٧/٢٦٠)،(١١/٢٢٤)وتفسير ابن كثير(٣/١٥٩، ٣٣٦)وتفسير الطبري (٩/٢٣)وتفسير أبي السعود(٦/٢٩).


الصفحة التالية
Icon