وربّما تصور فرعون–نتيجة وهمه وغروره-أنّه بمجرد توجيهه هذا التوبيخ والإنكار المغلف بالتهديد والوعيد للسحرة أن يتراجعوا عن إيمانهم بل ويطلبوا منه العفو على ما فرط منهم، ولكنّهم أصروا على موقفهم، وأظهروا استعدادا للتضحية بأرواحهم في سبيل إيمانهم. وكان هذا كافيا لإخراج فرعون من وهمه وغروره، لولا أنّه وصل مرحلة من الوهم والغرور لم يعد قادرا معها على رؤية الحقائق مهما سطعت.
وهذه زوجته التي عاشت حياة الترف والقصور.. ها هي تفاجىء فرعون بإيمانها، لعله يستيقظ من وهمه أو يترك غروره، يقول تعالى:’’وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنّة ونجّني من فرعون وعمله ونجّني من القوم الظالمين‘‘(١)، ومع هذا لم يتيّقظ ولم ينتبه، ممّا يدلّ على حالة مغرقة بالوهم والغرور.
وتظهر شخصية فرعون الواهمة المغرورة في قوله:’’وما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد(٢)‘‘(٣)، أي ما أشير عليكم إلا بما أراه صوابا، وما أعلمكم إلا ما علمت من الهدى والرشاد(٤)، فهو يتصور –وهما وغرورا-أن كلّ ما يقوله ويفعله صوابا لا شبهة فيه ولا ريبة، وهي ذات المعاني التي يروّجها المغرورون من الحكّام، فكلّ ما يفعلونه حكمة بالغة ومصلحة سابغة!بينما نلاحظ انتشار الفقر والمرض والجوع والمحسوبية والرشوة والتّأخر العلمي والاقتصادي…ومع هذا فإنّ الزعيم يهدي ولا يُضلّ!

(١) التحريم: ١١].
(٢) الرشاد: ضد الغي تقول رشد يرشد مثل قعد يقعد رشدا بضم الراء وفيه لغة أخرى من باب طرب و أرشده الله والطريق الأرشد مثل الأقصد)مختار الصحاح، مادة: رشد(١٠٣).(و الضلال ضد الرشاد)مختار الصحاح، مادة: ضلّ(١٦٠).
(٣) غافر: ٢٩].
(٤) انظر: تفسير الطبري(٢٤/٥٩).


الصفحة التالية
Icon