ومما يدل على غرور فرعون ووهمه تلك اللامبالاة التي أظهرها في قوله لموسى عليه السّلام:’’فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكاناً سوىً(١)‘‘(٢). أي(فاجعل بيننا وبينك موعدا أي وعدا، كما يُنبّئُ عنه وصفه بقوله تعالى:’’لا نخلفه‘‘فإنه المناسب للمكان والزمان، أي لا نخلف ذلك الوعد نحن ولا أنت، وإنّما فوض اللعين أمر الوعد إلى موسى عليه الصلاة والسلام للاحتراز عن نسبته إلى ضعف القلب وضيق المجال وإظهار الجلادة وإراءة أنه متمكن من تهيئة أسباب المعارضة وترتيب آلات المغالبة طال الأمد أم قصر، كما أنّ تقديم ضميره على ضمير موسى عليه الصلاة والسلام وتوسيط كلمة النفي بينهما للإيذان بمسارعته إلى عدم الإخلاف)(٣)، وهو بهذا مخدوع بما لديه من أسباب القوة والمنعة والأعوان حتى خيّل إليه أنّه قادر على إخفاء الحقيقة وطمسها.

(١) واختلفوا فى قوله تعالى: ( مكانا سوى) فى ضم السين وكسرها، فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائى (مكانا سوى) كسرا، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة سوى بضم السين)كتاب السبعة في القراءات(١/٤١٨)،(فالحجة لمن ضم أنه أراد مكانا مساويا بيننا وبينك والحجة لمن كسر أنه أراد مكانا مستويا أي لا مانع فيه من النظر وقيل هما لغتان فصيحتان)الحجة في القراءات السبع(١/٢٤١)،(قال الفراء وأكثر كلام العرب بالفتح إذا كان في معنى نصف وعدل فتحوه ومدوه والكسر والضم مع القصر عربيان، وقد قرىء بهما. قال الليث تصغير سواء الممدود سوي. وقال أبو إسحق: مكانا سوى، ويقرأ بالضم ومعناه منصفا أي مكانا يكون للنصف فيما بيننا وبينك وقد جاء في اللغة سواء بهذا المعنى)لسان العرب، مادة: سوا(١٤/٤١٣). وانظر: مختار الصحاح، مادة: سوا(١/١٣٦).
(٢) طه: ٥٨].
(٣) تفسير أبي السعود(٦/٢٤)وانظر: روح المعاني(١٦/٢١٦، ٢١٧).


الصفحة التالية
Icon