وها هو المغرور الموهوم ينادي في قومه-وقد غرّه زخرف الحياة الدنيا وبهارجها:’’ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين‘‘(١). يقول تعالى مخبرا عن فرعون وتمرده وعتوه وعناده أنّه جمع قومه فنادى بنفسه أو بمناديه في قومه في مجمعهم أو فيما بينهم- بعد كشف العذاب عنهم مخافة أن يؤمن بعضهم- متبجحا مفتخرا مغرورا بملك مصر وتصرّفه فيها أليس لي ملك مصر لا ينازعني فيه أحد ولا يخالفني فيه مخالف، وهذه الأنهار تجري من تحتي، أنهار النيل وفروعه وهي تجري من تحت قصري أو بين يدي في جناني. أفلا ترون ما أنا فيه من العظمة والملك، ومايظنّ فرعون أن تبيد هذه أبدا…مفتخرا مغرورا بما ملك، وما قد مكّن له من الدنيا استدراجا من الله له. وحسِب-وهما منه- أن الذي هو فيه من ذلك ناله بيده وحول منه وقوة، وأنّ موسى إنما لم يصل إلى الذي يصفه، فنسبه من أجل ذلك إلى المهانة، وهذا أشدّ الوهم من فرعون، إذ خيّل إليه أن ما قاله حجة وهو ليس بذلك، ثمّ احتج بتلك الأوهام على جهلة قومه-مخادعا لهم- بأنّ موسى عليه السلام لو كان محقا فيما يأتي به من الآيات والعبر ولم يكن ذلك سحرا لأكسب نفسه من الملك والنعمة مثل الذي هو فيه من ذلك، وفي هذا دلالة على جهله ووهمه (٢).
ويتمادى فرعون في غروره حيث عدَّ نفسه خيرا من موسى عليه السلام الذي وصفه بالحقير؛’’أم أنا خير من هذا الذي هو مهين‘‘(٣)، فتوهم-لعنه الله-أنّ الملك والمال والسلطان دليل على أنّه خير من موسى الذي كان صفر اليدين من هذا كله.
الوهم والغرور يُؤديان إلى كثرة العثرات ويمنعان من رؤية الحقيقة

(١) الزخرف: ٥١-٥٢].
(٢) انظر: تفسير ابن كثير(٤/١٣٠، ١٣١)وتفسير القرطبي(١٦/٩٩)وتفسير الطبري(٢٥/٨١، ٨٢)وتفسير البغوي(٤/١٤٢)وفتح القدير(٤/٥٥٩).
(٣) الزخرف: ٥٢].


الصفحة التالية
Icon