إنّ الكثير من العثرات والإخفاقات التي أُصيب بها فرعون كانت نتيجة وهمه وغروره، فبينما هو يعيش في وهمه وغروره تصدمه الحقيقة، وهذا ما نفسر به بعض الإخفاقات التي يُصاب بها الطواغيت، والتي كان بإمكانه تلافيها وعدم الوقوع بها، ممّا يصبغ حكم الطاغوت بالحماقة والتهور أحيانا، ويرجع ذلك إلى غياب القدرة على فهم وإدراك الحقيقة، فالغرور جعل على قلب الطاغوت غشاوة، وجعله من الأخسرين أعمالا الذين ضاع سعيهم وخاب ظنّهم،’’وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا‘‘(١)، أي(يحسبون أنهم يعملون ذلك على الوجه اللائق، وذلك لإعجابهم بأعمالهم التي سعوا في إقامتها وكابدوا في تحصيلها)(٢).
إنّ المغرور لم يدرك غاية خلقه وليس عنده أدنى فهم لمعنى الحياة الدنيا، فهي دار لا يدوم نعيمها؛فإمّا أن تزول النعمة لأسباب كثيرة، وإمّا أن يزول عنها صاحبها بموته. فتلك حقيقة لا يمارى فيها. فطول الأمل غرور وجهل؛فمن طال أمله خدعته الدنيا، كمن قال:’’وما أظنّ الساعة قائمة‘‘(٣)، فدلّ قوله على جهله لمعنى الدنيا وجوهرها لأنّه قدَّم الفاني على الباقي. وصدق الله حيث يقول:’’والآخرة خير وأبقى‘‘(٤).
والمغرور مشغول بما ليس منه فائدة ولا خير، كالساعي وراء السراب يظنّه ماءا، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا؛ذلك أنّ الغرور يمنع من إدراك الحقائق، وممّا يزيد من البلاء وجود بطانة تُزيّن للطاغوت أعماله وأفعاله، فتجتمع العوامل الداخلية في ذات الطاغوت مع العوامل الخارجية، فتنعدم الإشارات المنبهة للطاغوت، فيعيش بوهم كامل. وهذا ما نشاهده في زماننا، حين تلتف حول الحاكم بطانة سيئة وظيفتها مدح الطاغوت وتبرئته من الزلل، فينشأ-مع ما في داخله من غرور-العمى؛فلا يعود يرى الحقائق مهما سطعت!

(١) الكهف: ١٠٤].
(٢) تفسير أبي السعود(٥/٢٤٩).
(٣) الكهف: ٣٦].
(٤) الأعلى: ١٧].


الصفحة التالية
Icon