وقبل أن نورد الأدلة على إسراف فرعون لا بدّ من الإشارة أن هناك فروقا بين الطغيان والإسراف اللذين تميّزت بهما شخصية فرعون. فالطغيان مجاوزة الحدّ في العصيان، بينما الإسراف تجاوز الحدّ المباح إلى ما لم يبح(١). ثمّ إنّ الطغيان ليس مجرد ارتكاب للجريمة والمعصية بل المبالغة فيها، فالقتل معصية والتّقتيل طغيان في القتل، بينما الإسراف هو الإستكثار من المعاصي، فليس هو يقتل فحسب إنّما يتعدى ذلك إلى معاص عديدة أخرى، كالإذلال وأخذ أموال النّاس بالباطل وغيرها من المعاصي(٢). ثمّ إنّ الإسراف قد يكون في الإفراط والتفريط، بينما لا يكون الطغيان إلاّ في الإفراط، وكأنّ الطغيان نمو رأسيّ في المعصية، بينما الإسراف نمو أفقي في المعاصي تنويعا وتكرارا.

(١) كما هو الحال عند قوم لوط عليه السّلام حيث نعتهم الحق جلّ شأنه بالإسراف:(لنرسل عليه حجارة من طين، مسومة عند ربك للمسرفين)[الذاريات: ٣٣-٣٤]، وذلك لأنّهم تجاوزوا المباح من النّساء إلى ما لم يبح من الرجال، وذلك بيّن في قوله تعالى: (إنّكم لتأتون الرجال شهوة من دون النّساء بل أنتم قوم مسرفون)[الأعراف: ٨١]، إذ يريقون طاقتهم في غير موضع الإخصاب، فهو تفريط منهم بهذه الطاقة.
(٢) انظر: لسان العرب، مادة: طغى(١٥/٧-٨-٩-١٠)ومختار الصحاح، مادة: طغى(١٦٥).


الصفحة التالية
Icon