بعد هذا فإنّ الأدلة على أنّ الإسراف من خصائص شخصية فرعون-لعنه الله-كثيرة وبيّنة في كتاب الله جلّ شأنه، يقول سبحانه وتعالى:’’وإنّ فرعون لعال في الأرض وإنّه لمن المسرفين‘‘(١). ويقول سبحانه حكاية لقول مؤمن آل فرعون:’’لا جرم أنّ ما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأنّ مردنا إلى الله وأنّ المسرفين(٢) هم أصحاب النار‘‘(٣). ويقول سبحانه:’’كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب‘‘(٤). ويقول تعالى:’’إن الله لا يهدي من هو مسرف كذّاب‘‘(٥). ويقول سبحانه:’’ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين، من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين‘‘(٦).
لقد كان فرعون-بنص القرآن الكريم-من المسرفين(في الكبر والعتو واسترقاق أسباط الأنبياء)(٧)،(وتجاوز الحق إلى الباطل وذلك كفره بالله وتركه الإيمان به وجحوده وحدانية الله وادعاؤه لنفسه الألوهية وسفكه الدماء بغير حق)(٨)،(بالقتل والصلب وتنويع العقوبات)(٩)، فهو من(المستكثرين من معاصى الله)(١٠).
فالإسراف الذي هو من خصائص شخصية فرعون-يقينا لا ريب فيه-معناه الإستكثار من المعاصي، حيث شهد واقع فرعون على هذا المعنى، فتعددت معاصيه وتنوعت جرائمه حتى شملت كل حركة له في هذه الدنيا، فليس هناك معصية إلا ولفرعون كفل منها، فرّبما وُجد في حياة العاصي بعض المساحات تدلّ على بعض الخير، فَقِلَّةٌ هم الذين تُظْلِمُ كلّ مساحة الحياة عندهم، كما أظلمت حياة فرعون بالمعاصي، ودلّ على هذه الظلمة أمران:

(١) يونس: ٨٣].
(٢) يعني فرعون ومن معه. انظر: تفسير الطبري(٢٤/٦٩).
(٣) غافر: ٤٣].
(٤) غافر: ٣٤].
(٥) غافر: ٢٨].
(٦) الدخان: ٣٠-٣١].
(٧) تفسيرالبيضاوي(٣/ ٢١١)مع بعض التصرف. وانظر: القرطبي(٨/٣٧٠)وتفسير أبي السعود(٤/١٧١).
(٨) تفسير الطبري(١١/١٥١).
(٩) فتح القدير(٢/٤٦٦).
(١٠) فتح القدير(٤/٤٩٤).


الصفحة التالية
Icon