الأول: لا توجد في القرآن آية أو إشارة تدلّ على مثقال حبة من إيمان عند فرعون، وأمّا ما قاله فرعون عند غرقه وإعلانه الإيمان فقد حصل في ساعة لا تقبل فيها التوبة، فلا تُحسب له عند الله، بل إنّ النّص القرآني يؤكد أنّ فرعون ملعون في الدنيا والآخرة، يقول تعالى:’’وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين‘‘(١)، فحياته لعنة مستمرة عليه، وظلام دامس لا يخالطه بصيص من نور.
الثاني: ما قصه القرآن علينا من حياة فرعون يدلّ على حقيقة استكثاره من المعاصي، فليس هناك ذكر لفرعون في القرآن إلاّ وهو مرتبط ومقترن بذكر معصية أو جريمة، فهو كافر بدعواه للألوهية والربوبية وباعتقاده أنّه لا يرجع إلى الله. ولم يكتف بالكفر وحده بل دعا النّاس إليه، وصد عن سبيل الله كثيرا…وهو متكبر يتّرفع عن عبادة الله، ويرى نفسه فوق الناس حيث يحتقرهم ويزدريهم…ومستكبر يرفض الحق بعد تبيّنه، فامتنع عن قبول الحق بعد العديد من الآيات التي بعث الله بها موسى، فإنّ كثرة الآيات وقوتها وتراخيها لفترات طويلة وتكرار بعضها كالعصا يدلّ على قوة الحجة والبرهان الذي قام على فرعون، فكان استكباره بعد ذلك إسرافا في الإستكبار…وهو متجبر طاغ يبطش بقلب لا رحمة فيه، ينشر الخوف والرعب والقتل وسفك الدماء مرة بعد مرة…وهو يقهر النّاس بالصلب والسجن والإرهاب بكل صوره وألوانه، ويعتدي على الأعراض ويستحيي النّساء لإذلالهم، ويأخذ الأموال بالباطل، وينشر الفرقة بين النّاس فيتحاسدون ويتباغضون ويحقدون وتمتلؤ قلوبهم وعقولهم بمعاني الكراهية والتباعد والتدابر، ويفسد عقول النّاس بالسحر والشعوذة والكذب والتضليل… وهكذا كان فرعون مسرفا مستكثرا من المعاصي في مختلف شؤون الحياة.

(١) القصص: ٤٢].


الصفحة التالية
Icon