هناك معصية وهناك إسراف في المعصية، فإذا كانت المعصية دلالة على الضعف البشري فإنّ الاستكثار منها يدل على موت الروح الإنسانية. قد تكون المعصية مفسرة-ولا أقول مبررة لأنّ المعصية لا تبرر-كمعصية الزنا بوجود التجاذب بين الجنسين.. بينما اللواط إسراف في المعصية لأنّه معصية غير مفسرة، ولهذا كانت عقوبة قوم لوط قاسية، حيث أرسل الله عليهم حجارة من طين’’مسومة عند ربك للمسرفين‘‘(١)، وقلب بهم الأرض فجعل عاليها سافلها. والمعنى أنّ الإسراف في المعاصي حالة هستيرية يُصاب بها الطواغيت ولا نجد لها تفسيرا.
وقد تكون المعصية إشباعا لرغبة أو شهوة أو غريزة بهيمية بطريق حرام، بينما يكون الإسراف لمجرد الإنتقام وتفريغ الأحقاد، فيصل المسرف حد التمتع بآلام الآخرين، والارتياح لعذاباتهم. فالفرق واضح بين من يسرق متاعا أو مالا وبين من يُتلفه انتقاما وحقدا، فالأولى جريمة ومعصية، والثانية إسراف في الجريمة والمعصية.
ولهذا ربط التصور الإسلامي بين الإسراف وبين عدم حب الله وبغضه لصاحبه، يقول تعالى:’’ولاتسرفوا إنّه لا يحب المسرفين‘‘(٢)(بل يبغضهم ولا يرضى أفعالهم، والجملة في موضع التعليل للنهي)(٣)؛ذلك أنّ الإسراف فساد لا صلاح فيه، يقول تعالى:’’ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون‘‘(٤)، فالمسرفون(يفسدون فىالأرض بالظلم والكفر، ولا يصلحون بالإيمان والعدل. والمعنى أنّ فسادهم مصمت(٥) ليس معه شىء من الصلاح كما تكون حال بعض المفسدين)(٦).
المبحث التاسع
المكر

(١) الذاريات: ٣٤].
(٢) الأعراف: ٣١].
(٣) روح المعاني(٨/١١١).
(٤) الشعراء: ١٥١-١٥٢].
(٥) ٣٠٤(يقال للرجل إذا اعتقل لسانه فلم يتكلم أصمت فهو مُصْمِت.. ويوم أصمت العليل فهو مصمت إذا اعتقل لسانه)لسان العرب، مادة: صمت(٢/٥٤)والمعنى أنّه لا يصدر عنهم خير.
(٦) تفسير النسفي(٣/١٩٤).


الصفحة التالية
Icon