قلت: ويستدلّ لهذا التأويل وهذا القول من الكتاب بقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِنَّا سَخَّرْنَا الجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ﴾ (ص: ١٧ و١٨).
وقوله: ﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ للَّهِ﴾ (البقرة: ٧٤) ـ على قول مجاهد ـ، وقوله: ﴿وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً﴾ (مريم: ٩٠ و٩١).
وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا يَسمع صوتَ المؤذن جِنٌّ ولا إنس ولا شجر ولا حَجَر ولا مَدَر ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة».(١)
والأخبار في هذا المعنى كثيرة؛ وخبر الجذع أيضاً مشهور في هذا الباب خرّجه البخاري في مواضع من كتابه.
وإذا ثبت ذلك في جماد واحد جاز في جميع الجمادات، ولا استحالة في شيء من ذلك؛ فكل شيء يسبح للعموم.
وكذا قال النَّخَعِيّ وغيره: هو عام فيما فيه روح وفيما لا روح فيه حتى صرِير الباب. واحتجّوا بالأخبار التي ذكرنا.
وقيل: تسبيح الجمادات أنها تدعو الناظر إليها إلى أن يقول: سبحان الله لعدم الإدراك منها.
. فالصحيح: أن الكل يسبّح للأخبار الدالة على ذلك ولو كان ذلك التسبيح تسبيح دلالة فأيّ تخصيص لداود، وإنما ذلك تسبيح المقال بخلق الحياة والإنطاق بالتسبيح كما ذكرنا. وقد نصّت السنة على ما دل عليه ظاهر القرآن من تسبيح كل شيء فالقول به أوْلى. والله أعلم".
ما ترشد إليه الآيتان الكريمتان
- تنزيه الله – سبحانه – عن كل مالا يليق.
- تسبيح المخلوقات لله – تعالى – تشمل جميع الأوقات والأحوال.
- الله – سبحانه وتعالى – له العزة الحكمة.
- الله – عز وجل – وحده هو المالك الحقيقي للسماوات والأرض ومن فيهن، دون أن يشاركه أحد.
- إثبات صفتي الإحياء والإماتة، فهو يحي ويميت وهو على كل شيء قدير.

(١) رواه ابن ماجة في سننه، ومالك في موطّئه من حديث أبي سعيد الخُدْري- رضي الله عنه-.


الصفحة التالية
Icon