قال قتادة: كان قتالان أحدهما أفضل من الآخر، ونفقتان إحداهما أفضل من الأخرى، كان القتال والنفقة قبل فتح مكة أفضل من القتال والنفقة بعد ذلك، وفي الكلام حذف والتقدير لا يستوي من أنفق من قبل الفتح وقاتل ومن أنفق من بعد الفتح وقاتل فحذف لظهوره ولدلالة ما سيأتي عليه وإنما كانت النفقة والقتال قبل الفتح أفضل من النفقة والقتال بعد الفتح لأن حاجة الناس كانت إذ ذاك أكثر وهم أقل وأضعف وتقديم الإنفاق على القتال للإيذان بفضيلة الإنفاق لما كانوا عليه من الحاجة فإنهم كانوا يجودون بأنفسهم ولا يجدون ما يجدون به من الأموال والجود بالنفس أقصى غاية الجود(١)
وعطف القتال على الإنفاق للإيذان بأنه من أهم مواد الإنفاق مع كونه في نفسه من أفضل العبادات، وأنه لا يخلو من الإنفاق أصلا، وقسيم من أنفق محذوف أي لا يستوي ذلك وغيره، وحذف لظهوره ودلالة ما بعد عليه.(٢)
والإشارة بقوله :﴿ أولئك ﴾إلى من باعتبار معناها، وهو مبتدأ، وخبره ﴿أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا﴾أي أرفع منزلة وأعلا رتبة من الذين أنفقوا أموالهم في سبيل الله من بعد الفتح وقاتلوا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال عطاء: درجات الجنة تتفاضل: فالذين أنفقوا من قبل الفتح في أفضلها، قال الزجاج : لأن المتقدمين نالهم من المشقة أكثر مما نال من بعدهم، وكانت بصائرهم أيضا أنفذ،
قرأ الجمهور:﴿ وكلا﴾ بالنصب، على أنه مفعول به للفعل المتأخر، وقرأ ابن عامر بالرفع على الابتداء، والجملة بعده خبره، والعائد محذوف، أو على أنه خبر مبتدأ محذوف.(٣)
﴿ والله بما تعملون خبير﴾لا يخفى عليه من ذلك شيء.
﴿وكلا﴾ مفعول أول لوعد، و﴿ الحسنى ﴾مفعول ثان.

(١) تفسير القرطبي ج: ١٧ ص: ٢٤٠ وفتح القدير ج: ٥ ص: ١٦٨
(٢) روح المعاني ج: ٢٧ ص: ١٧٢
(٣) فتح القدير ج: ٥ ص: ١٦٨


الصفحة التالية
Icon