والمراد بالكتاب : الجنس فالموصول يعم اليهود والنصارى، وكانوا كلهم في أوائل أمرهم يحول الحق بينهم وبين كثير من شهواتهم، وإذا سمعوا التوراة والإنجيل خشعوا لله تعالى ورقت قلوبهم فلما طال عليهم الزمان غلبهم الجفاء والقسوة وزالت عنهم الروعة التي كانت يجدونها عند سماع الكتابين وأحدثوا ما أحدثوا واتبعوا الأهواء وتفرقت بهم السبل. والقسوة مبدأ الشرور وتنشأ من طول الغفلة عن الله تعالى.(١)
﴿ وكثير منهم فاسقون ﴾أي خارجون عن دينهم رافضون لما في كتابهم بالكلية من فرط القسوة، أي وقليل منهم مؤمنون، وذكر أنه مأخوذ من كون الجملة حال وفيه خفاء والأظهر أنه من السياق.(٢)
يقال: فسق فلان خرج عن حجر الشرع، وذلك من قولهم: فسق الرطب: إذا خرج عن قشره، وهو أعم من الكفر.(٣)
وقوله عز وجل :﴿ إعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها﴾ هذا تمثيل ذكر استطرادا لأحياء القلوب القاسية بالذكر والتلاوة، بإحياء الأرض الميتة بالغيث للترغيب في الخشوع والتحذير عن القساوة.(٤)
وقوله تعالى:﴿ قد بينا لكم الآيات﴾
قد: حرف تحقيق، وبينا: أي وضحنا لكم الآيات، وهي جمع آية.
يقول عنها العلامة الأصفهاني في مفرداته:(٥)" الآية: هي العلامة الظاهرة، وحقيقته لكل شيء ظاهر هو ملازم لشيء لا يظهر ظهوره، فمتى أدرك مدرك الظاهر منهما، علم أنه أدرك الآخر الذي لم يدركه بذاته إذ كان حكمهما سواء، واشتقاق الآية : إما من أيٍ فإنها هي التي تبين أيا من أيٍ،
والصحيح: أنها مشتقة من التأيي الذي هو التثبت والإقامة على الشيء، يقال: تأيً أي ارفق، أومن قولهم: أوي إليه

(١) روح المعاني: ٢٧/١٨١.
(٢) تفسير النسفي ج: ٤ ص: ٢١٨، والمصدر السابق.
(٣) المفردات مادة فسق ص٣٩٤.
(٤) روح المعاني ج: ٢٧ ص: ١٨١.
(٥) المفردات: ص٢٨.


الصفحة التالية
Icon