كما أن الروح سر من الأسرار التي لا نعلمها ولا سبيل لنا إلى معرفة حقيقتها، وصدق المولى - عز وجل - إذ يقول :- ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً { ٨٥ ﴾ } [سورة الإسراء ] وقال جل وعلا ﴿ اللَّهُ يَتَوَفي الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {٤٢﴾سورة الزمر }
وقال سبحانه ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ {٢٣﴾ [سورة الروم ] }
فالنوم آية من آيات الله تدل على قدرته، ونعمة من نعمه تدل على فضله ورحمته، وسر من أسراره في خليقته يدل على سعة علمه وبالغ حكمته ٠
فإن قيل : ما السر في تقديم السنة على النوم مع أن الترقي في النفي من الأقوى إلى الأضعف ومن الأكثر إلى الأقل، كما نقول لا يقدر فلان على ضرب خمسة رجال ولا واحدا، كما أن الترقي في الإثبات يكون من الأقل إلى الأكثر ومن الأضعف الى الأقوى ؟
قلنا للمفسرين في ذلك أجوبة متنوعة :-
قال بعضهم : إنما قدم السنة على النوم اعتبارا للترتيب الزمني لأن السنة تسبق النوم(١)
وقال الرازي :﴿ تقدير الآية { لا تأخذه سنة فضلا عن أن يأخذه النوم ﴾ (٢)

(١) اختار هذا الرأي جمع من المفسرين من بينهم الشوكاني والبروسوي وغيرهم يراجع روح المعاني ٣/١٣، روح البيان ١/٤٠٠، فتح القدير ١/٢٧٠، وفتح البيان في مقاصد القرآن ١/٩٠
(٢) مفاتيح الغيب للرازي ٧/٨ وحاشية الجمل ١/٢٠٦ وروح المعاني ٣/١٣


الصفحة التالية
Icon