كلُّ ما تقدَّم، أمرٌ يستحق التوقف والتأمل الفقهي، لأجل الوصول الى حُكمٍ في مسألةٍ هي من أخطر المسائل حسَّاسيَّةً، ألا وهي مسألة ما أطلق عليه، أو قل ما اصطُلِح عليه:[ بالحيل الشرعيَّة].
إنّ الاصطلاح لا مناقشة فيه.. إذ: [ لا مشَّاحة في الاصطلاح ]،
فالعبرة بحقيقة الأشياء لا بأسمائها، فاختلاف الأسماء لا يُغيِّرُ مِن حقيقة المسميَّات، وإن كان الأفضل تجنُّب الألفاظ المثيرة للإبهام والإيهام.
إنَّ لفظ [ الاستحسان ] أثار ما أثار بسبب الفهم المتعجل لمعناه، ولو رجعنا إلى مقصود أصحابه منه لَما قيل الذي قيل فيه وفي المتَّخذين له دليلا، وما زال ذلك غُصَّةً في حلوق الطرفين : القائلين به، والمنكرين له.
فلو اختار أصحابُهُ غيْرَ هذا الإسم لَمَا توَلَّد الالتباس، ولو تأنى مُنْكِرُه لما لِيِمَ على حُكمهِ، والله سبحانه وتعالى يقول :[… فتبينوا... ].
بعد هذا ينبغي أن نُشَخِّص [ الحيلة ] التي استعملها سيِّدُنا [ يُوسف ]عليه السلام، حتى نستطيع الحكم عليها بمقبوليَّةٍ أو رفضٍ، لكي يكون الكلام بعدئذٍ في مدى إمكان الأخذ بها في شريعتنا، رغم أنَّها وردت في قرآننا العظيم، على أنّها مِن تطبيقات الشرائع السابقة لشريعة نبيِّنا عليه أفضل الصلاة والتسليم.
********
لقد احتال لهم أول مرَّة :
﴿ فلمّا جهّزهم بِجَهازِهِم جَعَلَ السقاية في رحْل أخيه ثمَّ أذنّ مؤذّن أيتها العيرُ إنّكم لسارقون ﴾(١)فقد فعل هذا تمهيداً لاتِّهامهم بالسرقة.
ثم احتال لهم ثانيةً حين سألهم :
﴿.. فما جزاؤه إن كنتم كاذبين..﴾
فلما أراد أن يستبقي عنده أخاه، ولم يكن له من سبيلٍ في قانون [ فرعون ]، سألهم عن شريعة أبيهم [ يعقوب] في مثل هذه الحالات، فأخبروه باسترقاق المسروق منه للسارق، إن ثبتت السرقة.
فاحتال لهم ثالثة :