ويتضح لنا مما سبق أنَّ [ الإحتيال ] أقرَّه القانون العراقي، لكن من غير تسميته بهذا الإسم.
فإنّنا حين نحتال لمعرفة [ نيَّة ] الساكت، ونحاول معرفة قصده عند التعاقد، فما ذلك إلاَّ لكي نجعل عقديهما صحيحاً، منتجاً لآثاره قدر الإمكان، حتى لايُهدر كلامهما، وهما من العقلاء البالغين المالكين لأهلية الأداء التي تخوِّلهما مباشرة التصرفات القوليَّة.
والعقد الذي أطلقا عليه اسماً لا يُقرِّه المشرع القانوني، فلا نهدر إرادتهما لهذا السبب لوحده، بل نجعله عقداً آخر، إذا توفرت أركان وشروط ذلك العقد الآخر.
والعكس صحيحٌ أيضاً، فإذا أرادا أن يحتالا حيلةً لا يُقرها القانون، حين تتجه إرادتهما إلى عقدٍ آخر هو غير المسمى في عقديهما، فإننا نحتال لهما بأن نحمل هذا العقد المسمى بغير اسمه، على مسماه الحقيقي، وإن أطلقا عليه إسماً آخر، إذ قد يكون في العقد الصوري المعلن توخي فائدةٍ ممنوعةٍ، أو التهرب من واجب قانوني فيه مصلحةٌ للكافَّة، أو بهدف الإضرار بالغير، كتسمية البيع : تبرعاً مقابل عملٍ، أو تبرعٍ مقابل !!. وكلُّ ذلك قد يكون لأجل : إسقاط حقِّ الشفعة مثلاً، و التهرب من رسوم التسجيل العقاري، أو أيِّ قصد آخر يعرفانه ولا نعرفه !.
من أجل هذا وغيره قيل : العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني... وهكذا.
من أجل هذا نرى اتفاق القانون مع الشريعة، بل اقتبس منها هذه الفكرة، وإن كانت بتسمية أخرى.
على أنَّ ما أوردناه هنا يَصلُح أن يُقال في الحيل في نطاق الشرع الإسلامي، ما دام اتَّحد الأصل، واتفق الأساس.. فليكن ذلك في البال دوماً.
********
بعد هذا ننتقل إلى جانب آخر من الجوانب التي يُمكن الإستفادة منها من الآيات المعلومات من سورة يُوسُف. وهذا الجانب هو : المراحل التحقيقيَّة التي يجب أن تتُبَّع عند حدوث أيَّة حادثة جُرميَّة.
مراحل التحقيق
في
الوقائع الجنائيَّة


الصفحة التالية
Icon