ومن المعلوم أن عرب الجزيرة لم يكونوا متساوين في فهم ألفاظ القرآن الكريم الذي نزل بلغتهم؛ لتعدد لهجاتهم وتباعد قبائلهم، كما أومأ إلى ذلك ابن قتيبة (٢٧٦ هـ) فقال: " إن العرب لا تستوي في المعرفة بجميع ما في القران الكريم من الغريب والمتشابه بل لبعضها الفضل في ذلك على بعض، والدليل عليه قول الله عز وجل: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ (آل عمران: ٧). ويدل عليه قول بعضهم: "يا رسول الله: إنك لتأتينا بالكلام من كلام العرب ما نعرفه، ونحن العرب حقا؟ فقال: إن ربي علّمني فتعلّمت" (١)، ويقول الزجاجي (٣٧٧ هـ) :" ليس كل العرب يعرفون اللغة كلها، غريبها وواضحها، ومستعملها وشاذها، بل هم في ذلك طبقات يتفاوتون فيها، كما أنهم ليس كلهم يقول الشعر، ويعرف الأنساب كلها، وإنما هو في بعض دون بعض" (٢).
وأما قول ابن خلدون (٨٠٨ هـ) :"إن القرآن نزل بلغة العرب وعلى أساليب بلاغتهم فكانوا كلهم يفهمونه ويعلمون معانيه في مفرداته وتراكيبه" (٣) ففيه تعميم يجافي الحقيقة؛ إذ إن من العرب من علا كعبه وارتفع شأنه في فصاحة القول وخفيت عليه بعض معاني ألفاظ القران الكريم ولذلك سأل الصحابة رضوان الله عليهم عنها رسول الله ﷺ (٤).
(٢) الإيضاح في علل النحو: ٩٢.
(٣) المقدمة: ٤٠١.
(٤) ينظر: غريب القران الكريم في عصر الرسول ﷺ والصحابة والتابعين: ١٤
وما بعدها.