وَرَوَى عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ ﴿ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي وَدَكٍ لَهُمْ فَقَالَ : أَجَامِدٌ هُوَ ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ : اطْرَحُوهَا وَاطْرَحُوا مَا حَوْلَهَا وَكُلُوا وَدَكَكُمْ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ مَائِعٌ قَالَ : فَانْتَفِعُوا بِهِ وَلَا تَأْكُلُوهُ ﴾ فَأَطْلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَازَ الِانْتِفَاعِ بِهِ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْأَكْلِ.
وَهَذَا يَقْتَضِي جَوَازَ بَيْعِهِ لِأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنْ ضُرُوبِ الِانْتِفَاعِ، وَلَمْ يَخُصَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنْهُ.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَالْحَسَنِ فِي آخَرِينَ مِنْ السَّلَف جَوَازُ الِانْتِفَاعِ بِهِ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْأَكْلِ، قَالَ أَبُو مُوسَى :" بِيعُوهُ وَلَا تَطْعَمُوهُ " وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْفُقَهَاءِ مَنَعَ الِانْتِفَاعَ بِهِ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِصْبَاحِ وَدَبْغِ الْجُلُودِ وَنَحْوِهِ.
وَيَجُوزُ بَيْعُهُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَيْضًا وَيُبَيَّنُ عَيْبُهُ، وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ بَيْعَهُ لَا يَجُوزُ وَيَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ.
وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إطْلَاقُ الِانْتِفَاعِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ مِنْهُ لِوَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُحَرَّمَ مِنْهُ الْأَكْلُ دُونَ غَيْرِهِ، وَأَنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ سَائِرَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا مِنْ نَحْوِ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ، إذْ لَيْسَ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ حَقٌّ فِي مَنْعِ الْبَيْعِ، وَهُوَ مِمَّا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُحَرَّمِ الْعَيْنِ.
فَإِنْ قِيلَ : يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا قِيلَ لَهُ : هَذَا لَا يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ؛ لِأَنَّا قَيَّدْنَا الْمَعْنَى بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِمَا


الصفحة التالية
Icon