اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ :﴿ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ ﴾ فَمَتَى لَمْ يَرْضَ الْقَاتِلُ بِإِعْطَاءِ الْمَالِ، وَلَمْ تَطِبْ بِهِ نَفْسُهُ فَمَالُهُ مَحْظُورٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا سَنَدَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ الْعَمْدُ قَوَدٌ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ ﴾.
وَرَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ مَنْ قُتِلَ فِي عِمِّيَّا أَوْ فِي زَحْمَةٍ لَمْ يُعْرَفْ قَاتِلُهُ أَوْ رِمِّيًّا تَكُونُ بَيْنَهُمْ بِحَجَرٍ أَوْ سَوْطٍ أَوْ عَصًا فَعَقْلُهُ عَقْلُ خَطَأٍ، وَمَنْ قُتِلَ عَمْدًا فَقَوَدُ يَدَيْهِ فَمَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ فَأَخْبَرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ الْوَاجِبَ بِالْعَمْدِ هُوَ الْقَوَدُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ خِيَارٌ فِي أَخْذِ الدِّيَةِ لَمَا اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْقَوَدِ دُونَهَا ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ، وَيَقْتَصِرُ بِالْبَيَانِ عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ نَفْيِ التَّخْيِيرِ، وَمَتَى ثَبَتَ فِيهِ تَخْيِيرٌ بَعْدَهُ كَانَ نَسْخًا لَهُ.
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ رَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ هَذَا الْحَدِيثَ الْآخَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَلَا رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قِيلَ لَهُ : كَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَ بِهِ مَرَّةً هَكَذَا غَيْرَ مَرْفُوعٍ، وَحَدَّثَ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى كَمَا حَدَّثَ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ، وَقَدْ كَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ سَيِّئَ الْحِفْظِ كَثِيرَ الْخَطَإِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ طَاوُسٌ رَوَاهُ مَرَّةً عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَرَّةً أَفْتَى بِهِ، وَأَخْبَرَ عَنْ اعْتِقَادِهِ،