أَنْ يَكُونَ مِنْ فَرْضِهِ ؟ كَذَلِكَ هَذَا الْوَلِيُّ لَوْ كَانَ مُخَيَّرًا فِي أَحَدِ شَيْئَيْنِ مِنْ قَوَدٍ أَوْ مَالٍ ثُمَّ اخْتَارَ أَحَدَهُمَا لَمْ يَسْتَحِقَّ اسْمَ الْعَافِي لِتَرْكِهِ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ.
فَلَمَّا كَانَ اسْمُ الْعَفْوِ مُنْتَفِيًا عَمَّنْ ذَكَرْنَا لَمْ يَجُزْ تَأْوِيلُ الْآيَةِ عَلَيْهِ وَكَانَتْ الْمَعَانِي الَّتِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهَا أَوْلَى بِتَأْوِيلِهَا.
ثُمَّ لَيْسَ يَخْلُو الْوَاجِبُ لِلْوَلِيِّ بِنَفْسِ الْقَتْلِ أَنْ يَكُونَ الْقَوَدَ وَالدِّيَةَ جَمِيعًا أَوْ الْقَوَدَ دُونَ الدِّيَةِ أَوْ أَحَدَهُمَا عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ لَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ حَقَّ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا بِالِاتِّفَاقِ، وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ أَحَدَهُمَا عَلَى حَسَبِ مَا يَخْتَارُهُ الْوَلِيُّ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَنَحْوِهَا، لِمَا بَيَّنَّا مِنْ أَنَّ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْكِتَابِ هُوَ الْقِصَاصُ، وَفِي إثْبَاتِ التَّخْيِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ زِيَادَةٌ فِي النَّصِّ، وَنَفْيٌ لِإِيجَابِ الْقِصَاصِ، وَمِثْلُهُ عِنْدَنَا يُوجِبُ النَّسْخَ، فَإِذَا الْوَاجِبُ هُوَ الْقَوَدُ لَا غَيْرُهُ، فَلَا جَائِزٌ لَهُ أَخْذُ الْمَالِ إلَّا بِرِضَى الْقَاتِلِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ قِبَلَ غَيْرِهِ حَقٌّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاءَهُ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ نَقْلُهُ إلَى بَدَلٍ غَيْرِهِ إلَّا بِرِضَى مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ.
وَعَلَى أَنَّ قَائِلَ هَذَا الْقَوْلِ مُخْطِئٌ فِي الْعِبَارَةِ حِينَ قَالَ :" الْوَاجِبُ هُوَ الْقَوَدُ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ " لِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُخَيَّرًا فِيهِ ؛ إذْ قَدْ جَعَلَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقَوَدَ إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ الْمَالَ، فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ :" الْوَاجِبُ هُوَ الْمَالُ، وَلَهُ نَقْلُهُ إلَى الْقَوَدِ بَدَلًا مِنْهُ " كَانَ مُسَاوِيًا لَهُ، فَلَمَّا فَسَدَ قَوْلُ هَذَا الْقَائِلِ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْمَالُ، وَلَهُ نَقْلُهُ إلَى الْقَوَدِ لِإِيجَابِهِ التَّخْيِيرَ.
كَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ " الْوَاجِبُ هُوَ الْقَوَدُ، وَلَهُ نَقْلُهُ إلَى الْمَالِ " ؛ إذْ لَمْ يَنْفَكَّ فِي الْحَالَيْنِ مِنْ


الصفحة التالية
Icon