إيجَابِ التَّخْيِيرِ بِنَفْسِ الْقَتْلِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ إنَّمَا كَتَبَ عَلَى الْقَاتِلِ الْقِصَاصَ بِقَوْلِهِ :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ﴾ وَلَمْ يَقُلْ : كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْمَالُ فِي الْقَتْلَى، وَلَا : كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ أَوْ الْمَالُ فِي الْقَتْلَى.
وَالْقَائِلُ بِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْقَوَدُ، وَلَهُ نَقْلُهُ إلَى الْمَالِ إنَّمَا عَبَّرَ عَنْ التَّخْيِيرِ الَّذِي أَوْجَبَهُ لَهُ بِغَيْرِ اسْمِهِ، وَأَخْطَأَ فِي الْعِبَارَةِ عَنْهُ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : هَذَا كَمَا تَقُولُ : إنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْقِصَاصُ، وَلَهُمَا جَمِيعًا نَقْلُهُ إلَى الْمَالِ بِتَرَاضِيهِمَا، وَلَمْ يَكُنْ فِي جَوَازِ تَرَاضِيهِمَا عَلَى نَقْلِهِ إلَى الْمَالِ إسْقَاطٌ لِمُوجَبِ حُكْمِ الْآيَةِ مِنْ الْقِصَاصِ.
قِيلَ لَهُ : مِنْ قِبَلِ أَنَّا قَدْ بَيَّنَّا بَدِيًّا أَنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ لِلْوَلِيِّ عَلَى الْقَاتِلِ مِنْ غَيْرِ إثْبَاتِ تَخْيِيرٍ لَهُ بَيْنَ الْقَوَدِ وَغَيْرِهِ، وَتَرَاضِيهِمَا عَلَى نَقْلِهِ إلَى الْبَدَلِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْحَقَّ الْوَاجِبَ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ حُكْمُهُ بِتَرَاضِيهِمَا لَا يُؤْمَرُ فِي الْأَصْلِ الَّذِي كَانَ وَاجِبًا مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَمْلِكُ الْعَبْدَ وَالدَّارَ، وَلِغَيْرِهِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْهُ بِرِضَاهُ، وَلَيْسَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ نَفْيٌ لِمِلْكِ الْأَصْلِ لِمَالِكِهِ الْأَوَّلِ، وَلَا مُوجِبًا لَأَنْ يَكُونَ مِلْكُهُ مَوْقُوفًا عَلَى الْخِيَارِ ؟ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَمْلِكُ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ، وَيَمْلِكُ الْخُلْعَ، وَأَخْذَ الْبَدَلِ عَنْ الطَّلَاقِ.
وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إثْبَاتُ مِلْكِ الطَّلَاقِ لَهُ بَدِيًّا، عَلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي نَقْلِهِ إلَى الْمَالِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْمَرْأَةِ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ أَوْ يَأْخُذَ الْمَالَ بَدِيًّا مِنْ غَيْرِ رِضَاهَا لَكَانَ ذَلِكَ مُوجِبًا لِكَوْنِهِ مَالِكًا لِأَحَدِ شَيْئَيْنِ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ مَالٍ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ بِالْقَتْلِ هُوَ الْقَوَدَ لَا غَيْرُ حَدِيثُ أَنَسٍ الَّذِي قَدَّمْنَا إسْنَادَهُ فِي قِصَّةِ


الصفحة التالية
Icon