وُجُوبِ الْقِصَاصِ عُمُومًا بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ ؛ إذْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى مُرِيدًا لِتَبْقِيَةِ الْجَمِيعِ، فَالْعِلَّةُ الْمُوجِبَةُ لِلْقِصَاصِ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ مَوْجُودَةٌ فِي هَؤُلَاءِ، فَوَجَبَ اسْتِوَاءُ الْحُكْمِ فِي جَمِيعِهِمْ.
وَتَخْصِيصُهُ لِأُولِي الْأَلْبَابِ بِالْمُخَاطَبَةِ غَيْرُ نَافٍ مُسَاوَاةَ غَيْرِهِمْ لَهُمْ فِي الْحُكْمِ ؛ إذْ كَانَ الْمَعْنَى الَّذِي حُكِمَ مِنْ أَجْلِهِ فِي ذَوِي الْأَلْبَابِ مَوْجُودًا فِي غَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا وَجْهُ تَخْصِيصِهِ لَهُمْ أَنَّ ذَوِي الْأَلْبَابِ هُمْ الَّذِينَ يَنْتَفِعُونَ بِمَا يُخَاطَبُونَ بِهِ، وَيَنْتَهُونَ إلَى مَا يُؤْمَرُونَ بِهِ، وَيَزْدَجِرُونَ عَمَّا يُزْجَرُونَ عَنْهُ.
وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ إنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا ﴾ هُوَ مُنْذِرٌ لِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى :﴿ إنْ هُوَ إلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾ وَنَحْوِ قَوْلِهِ :﴿ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ وَهُوَ هُدًى لِلْجَمِيعِ، وَخَصَّ الْمُتَّقِينَ لِانْتِفَاعِهِمْ بِهِ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ فِي آيَةٍ أُخْرَى ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ ﴾ ؟ فَعَمَّ الْجَمِيعَ بِهِ.
وَكَقَوْلِهِ :﴿ قَالَتْ إنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إنْ كُنْتَ تَقِيًّا ﴾ لِأَنَّ التَّقِيَّ هُوَ الَّذِي يُعِيذُ مَنْ اسْتَعَاذَ بِاَللَّهِ.
وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الْحُكَمَاءِ أَنَّهُ قَالَ : قَتْلُ الْبَعْضِ إحْيَاءُ الْجَمِيعِ ".
وَعَنْ غَيْرِهِ : الْقَتْلُ أَقَلُّ لِلْقَتْلِ " وَ " أَكْثِرُوا الْقَتْلَ لِيَقِلَّ الْقَتْلُ " وَهُوَ كَلَامٌ سَائِرٌ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعُقَلَاءِ، وَأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، وَإِنَّمَا قَصَدُوا الْمَعْنَى الَّذِي فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ﴾ ثُمَّ إذَا مَثَّلْتَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَجَدْتَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتًا بَعِيدًا مِنْ جِهَةِ الْبَلَاغَةِ، وَصِحَّةِ الْمَعْنَى.
وَذَلِكَ يَظْهَرُ عِنْدَ التَّأَمُّلِ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ قَوْله تَعَالَى :﴿ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ﴾ هُوَ نَظِيرُ


الصفحة التالية
Icon