بَاب ذِكْرِ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِيمَنْ جُنَّ رَمَضَانَ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ : قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالثَّوْرِيُّ :" إذَا كَانَ مَجْنُونًا فِي رَمَضَانَ كُلِّهِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَفَاقَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ قَضَاهُ كُلَّهُ ".
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فِيمَنْ بَلَغَ، وَهُوَ مَجْنُونٌ مُطْبَقٌ فَمَكَثَ سِنِينَ ثُمَّ أَفَاقَ :" فَإِنَّهُ يَقْضِي صِيَامَ تِلْكَ السِّنِينَ وَلَا يَقْضِي الصَّلَاةَ ".
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْمَعْتُوهِ يُفِيقُ وَقَدْ تَرَكَ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ " فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ ذَلِكَ " وَقَالَ فِي الْمَجْنُونِ الَّذِي يُجَنُّ ثُمَّ يُفِيقُ أَوْ الَّذِي يُصِيبُهُ الْمِرَّةَ ثُمَّ يُفِيقُ :" أَرَى عَلَى هَذَا أَنْ يَقْضِيَ ".
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ :" وَمَنْ جُنَّ فِي رَمَضَانَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ صَحَّ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ كَذَلِكَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : قَوْله تَعَالَى :﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْقَضَاءِ عَلَى الْمَجْنُونِ الَّذِي لَمْ يُفِقْ فِي شَيْءٍ مِنْ الشَّهْرِ ؛ إذْ لَمْ يَكُنْ شَاهَدَ الشَّهْرَ، وَشُهُودُهُ الشَّهْرَ كَوْنُهُ مُكَلَّفًا فِيهِ، وَلَيْسَ الْمَجْنُونُ مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ :﴿ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ : عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّغِيرِ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ ﴾.
فَإِنْ قِيلَ : إذَا احْتَمَلَ قَوْلُهُ ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ شُهُودُهُ بِالْإِقَامَةِ وَتَرْكِ السَّفَرِ دُونَ مَا ذَكَرْتَهُ مِنْ شُهُودِهِ بِالتَّكْلِيفِ، فَمَا الَّذِي أَوْجَبَ حَمْلَهُ عَلَى مَا ادَّعَيْتَ دُونَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ حَالِ الْإِقَامَةِ ؟ قِيلَ لَهُ : لَمَّا كَانَ اللَّفْظُ مُحْتَمِلًا لِلْمَعْنَيَيْنِ وَهُمَا غَيْرُ مُتَنَافِيَيْنِ بَلْ جَائِزٌ إرَادَتُهُمَا مَعًا، وَكَوْنُهُمَا شَرْطًا فِي لُزُومِ الصَّوْمِ، وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِمَا ؛ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَنَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُكَلَّفًا