مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ } يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ لَا يَقْتُلَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ وَكَذَلِكَ إخْرَاجُهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ، وَكَقَوْلِهِ :﴿ وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا ﴾.
وَالْآخَرُ : أَنْ لَا يَقْتُلَ كُلُّ وَاحِدٍ نَفْسَهُ، إمَّا بِأَنْ يُبَاشِرَ ذَلِكَ كَمَا يَفْعَلُهُ الْهِنْدُ وَكَثِيرٌ مِمَّنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْيَأْسُ مِنْ الْخَلَاصِ مِنْ شِدَّةٍ هُوَ فِيهَا، أَوْ بِأَنْ يَقْتُلَ غَيْرَهُ فَيُقْتَلَ بِهِ فَيَكُونَ فِي مَعْنَى قَتْلِ نَفْسِهِ وَاحْتِمَالُ اللَّفْظَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا وَهَذَا الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ حُكْمِ شَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ مِمَّا كَانَ يَكْتُمُهُ الْيَهُودُ لِمَا عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ مِنْ الْوَكْسِ وَيَلْزَمُهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ الذَّمِّ، فَأَطْلَعَ اللَّه نَبِيَّهُ عَلَيْهِ وَجَعَلَهُ دَلَالَةً وَحُجَّةً عَلَيْهِمْ فِي جَحْدِهِمْ نُبُوَّتَهُ ؛ إذْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِمَّنْ قَرَأَ الْكُتُبَ وَلَا عَرَفَ مَا فِيهَا إلَّا بِإِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا حَكَى اللَّهُ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَاتِ عَنْهُمْ مِنْ قَوْلِهِ :﴿ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ وَسَائِرُ مَا ذَمَّهُمْ هُوَ تَوْقِيفٌ مِنْهُ لَهُ عَلَى مَا كَانُوا يَكْتُمُونَ وَتَقْرِيعٌ لَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَكُفْرِهِمْ وَإِظْهَارِ قَبَائِحِهِمْ، وَجَمِيعُهُ دَلَالَةٌ عَلَى نُبُوَّتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ.


الصفحة التالية
Icon