جَائِزٍ إثْبَاتُهُ نُسُكًا إلَّا عِنْدَ قِيَامِ الدَّلَالَةِ ؛ إذْ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْحَلْقَ فِي الْأَصْلِ لَيْسَ بِنُسُكٍ ؛ وَيُقَاسُ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ عَلَى الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ أَنَّ الْمَوْلَى وَالزَّوْجَ لَمَّا جَازَ لَهُمَا إحْلَالُ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ بِغَيْرِ حَلْقٍ وَلَا تَقْصِيرٍ إذَا لَمْ يَفْعَلَا سَائِرَ الْمَنَاسِكِ الَّتِي رُتِّبَ عَلَيْهَا الْحَلْقُ، وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ لِسَائِرِ الْمُحْصَرِينَ الْإِحْلَالُ بِغَيْرِ حَلْقِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ حِينَ أَمَرَهَا بِرَفْضِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ اسْتِيعَابِ أَفْعَالِهَا :﴿ اُنْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَدَعِي الْعُمْرَةَ وَاغْتَسِلِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ ﴾ فَلَمْ يَأْمُرْهَا بِالْحَلْقِ وَلَا بِالتَّقْصِيرِ حِينَ لَمْ تَسْتَوْعِبْ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَنْ جَازَ لَهُ الْإِحْلَالُ مِنْ إحْرَامِهِ قَبْلَ قَضَاءِ الْمَنَاسِكِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْإِحْلَالُ بِالْحَلْقِ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ مُرَتَّبٌ عَلَى قَضَاءِ الْمَنَاسِكِ كَتَرْتِيبِ سَائِرِ أَفْعَالِ الْمَنَاسِكِ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، وَقَدْ احْتَجَّ مُحَمَّدٌ لِذَلِكَ بِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ عَنْهُ سَائِرُ الْمَنَاسِكِ سَقَطَ الْحَلْقُ.
وَيُحْتَمَلُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّ الْحَلْقَ مُرَتَّبٌ عَلَى قَضَاءِ الْمَنَاسِكِ، فَلَمَّا سَقَطَ عَنْهُ سَائِرُ الْمَنَاسِكِ سَقَطَ الْحَلْقُ.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْحَلْقُ إذَا وَجَبَ فِي الْإِحْرَامِ كَانَ نُسُكًا، وَقَدْ سَقَطَ عَنْ الْمُحْصَرِ سَائِرُ الْمَنَاسِكِ، وَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ الْحَلْقُ.
فَإِنْ قِيلَ : إنَّمَا سَقَطَ عَنْهُ سَائِرُ الْمَنَاسِكِ لِتَعَذُّرِ فِعْلُهَا، وَالْحَلْقُ غَيْرُ مُتَعَذِّرٍ فَعَلَيْهِ فِعْلُهُ.
قِيلَ لَهُ : هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الْمُحْصَرَ لَوْ أَمْكَنَهُ الْوُقُوفُ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَرَمْي الْجِمَارِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْوُصُولُ إلَى الْبَيْتِ وَلَا الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ لَا يَلْزَمُهُ الْوُقُوفُ


الصفحة التالية
Icon