بَابُ الْإِيلَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ﴾ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : الْإِيلَاءُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْحَلْفُ يَقُولُونَ : آلَى يُؤْلِي إيلَاءً وَأَلِيَّةً ؛ قَالَ كَثِيرٌ : قَلِيلُ الْأَلَايَا حَافِظٌ لِيَمِينِهِ وَإِنْ بَدَرَتْ مِنْهُ الْأَلِيَّةُ بَرَّتْ فَهَذَا أَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ.
وَقَدْ اُخْتُصَّ فِي الشَّرْعِ بِالْحَلِفِ عَلَى تَرْكِ الْجِمَاعِ الَّذِي يُكْسِبُ الطَّلَاقَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، حَتَّى إذَا قِيلَ آلَى فُلَانٌ مِنْ امْرَأَتِهِ عُقِلَ بِهِ ذَلِكَ.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيمَا يَكُونُ بِهِ مُولِيًا عَلَى وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رِوَايَةُ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ : أَنَّهُ إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا لِأَجْلِ الرَّضَاعِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُولِيًا إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يُجَامِعَهَا عَلَى وَجْهِ الضِّرَارِ وَالْغَضَبِ.
وَالثَّانِي : مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ كُلَّ يَمِينٍ حَالَتْ دُونَ الْجِمَاعِ إيلَاءٌ ؛ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ وَابْنِ سِيرِينَ وَالشَّعْبِيِّ.
وَالثَّالِثُ : مَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : أَنَّهُ فِي الْجِمَاعِ وَغَيْرِهِ مِنْ الصِّفَاتِ، نَحْوُ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهَا فَيَكُونُ مُولِيًا.
وَقَدْ رَوَى جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ قَالَ : تَزَوَّجْت فَلَقِيت ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ فِي حَلْقِهَا شَيْئًا قَالَ : تَاللَّهِ لَقَدْ خَرَجْت وَمَا أُكَلِّمُهَا قَالَ : عَلَيْك بِهَا قَبْلَ أَنْ تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ.
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مُوَافَقَةِ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَيَدُلُّ عَلَى مُوَافَقَةِ ابْنِ عُمَرَ فِي أَنَّ الْهِجْرَانَ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ هُوَ الْإِيلَاءُ وَالرَّابِعُ : قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ إنْ هَجَرَهَا فَهُوَ إيلَاءٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَلِفَ.
فَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ حَلِفِهِ عَلَى تَرْكِ جِمَاعِهَا ضِرَارًا وَبَيْنَهُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الضِّرَارِ، فَإِنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْجِمَاعَ حَقٌّ لَهَا وَلَهَا الْمُطَالَبَةُ