وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى :﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ ثُمَّ قَالَ فِي نَسَقِ التِّلَاوَةِ :﴿ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ وَمَعْلُومٌ عِنْدَ جَمِيعِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ إضْمَارُ الْإِفْطَارِ فِيهِ، وَأَنَّ تَقْدِيرَهُ :" فَأَفْطَرَ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ " فَإِنَّمَا أَوْجَبَ الْقَضَاءَ عَلَى الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ إذَا أَفْطَرَا، فَثَبَتْ بِذَلِكَ أَنَّ مَنْ صَامَ مِنْ الْمُقِيمِينَ وَلَمْ يُفْطِرْ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، إذْ قَدْ تَضَمَّنَتْ الْآيَةُ صِيَامَ الْجَمِيعِ مِنْ الْمُخَاطَبِينَ إلَّا مَنْ أَفْطَرَ مِنْ الْمَرْضَى وَالْمُسَافِرِينَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ ﴾ فَاقْتَضَى ظَاهِرُ ذَلِكَ جَوَازَهُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ أَوْقَعَ صَوْمَهُ مِنْ تَطَوُّعٍ أَوْ غَيْرِهِ.
وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ لَمَّا كَانَ مُسْتَحِقَّ الْعَيْنِ فِي هَذَا الْوَقْتِ أَشْبَهَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ، فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ أَوْقَعَهُ أَجْزَأَ عَنْ الْفَرْضِ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَوَاهُ عَنْ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ عَمَّا نَوَاهُ فَلَوْلَا أَنَّهُ قَدْ أَجْزَى عَنْ الْفَرْضِ لَوَجَبَ أَنْ يُجْزِيَهُ عَمَّا نَوَى كَصِيَامِ سَائِرِ الْأَيَّامِ يُجْزَى عَمَّا نَوَى.
فَإِنْ قِيلَ : إنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ مُسْتَحَقَّةُ الْعَيْنِ لِهَذَا الْوَقْتِ إذَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا يُصَلِّي فِيهِ الظُّهْرَ، وَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ جَوَازَهَا بِنِيَّةِ النَّفْلِ، قِيلَ لَهُ : وَقْتُ الظُّهْرِ غَيْرُ مُسْتَحَقِّ الْعَيْنِ لِفِعْلِهَا ؛ لِأَنَّهُ يَتَّسِعُ لِفِعْلِهَا وَلِغَيْرِهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَآخِرِهِ، فَإِذَا كَانَ فِعْلُ التَّطَوُّعِ فِي أَوَّلِهِ لَا يُجْزِي عَنْ الْفَرْضِ كَذَلِكَ فِي آخِرِهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إذَا نَوَى بِصَلَاتِهِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ تَطَوُّعًا أَوْ فَرْضًا غَيْرَهُ كَانَ كَمَا نَوَى.
وَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ صَوْمَ عَيْنِ رَمَضَانَ لَا


الصفحة التالية
Icon