يُجْزِي عَنْ غَيْرِهِ، فَدَلَّ أَنَّهُ مُسْتَحَقُّ الْعَيْنِ لِامْتِنَاعِ جَوَازِ صَوْمٍ آخَرَ فِيهِ وَلِأَنَّهُ وَقْتٌ يَسْتَغْرِقُ الْفَرْضَ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ وَلَا تَأْخِيرُهُ عَنْهُ، وَالظُّهْرُ لَهَا وَقْتٌ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا أَخَّرَهُ كَانَ جَائِزًا لَهُ فِعْلُهَا فِيهِ.
فَإِنْ قِيلَ : قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ :﴿ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ﴾ يَمْنَعُ جَوَازَ صَوْمِ رَمَضَانَ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ، قِيلَ لَهُ : أَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ﴿ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ﴾ فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَمِيرًا مُحْتَمِلًا لَمَعَانٍ مِنْ جَوَازٍ وَفَضِيلَةٍ، وَهُوَ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي اللَّفْظِ، وَمَتَى تَنَازَعْنَا فِيهِ اُحْتِيجَ إلَى دَلَالَةٍ فِي إثْبَاتِهِ، فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ :﴿ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ﴾ فَإِنَّ خَصْمَنَا يُوَافِقُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَا نَوَى مِنْ تَطَوُّعٍ وَلَا فَرْضِ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : لَا يَكُونُ تَطَوُّعًا وَلَا فَرْضًا غَيْرُ رَمَضَانَ، وَهُوَ يَقُولُ : لَا يَكُونُ عَنْ رَمَضَانَ وَلَا عَمَّا نَوَى ؛ فَحَصَلَ بِاتِّفَاقِ الْجَمِيعِ أَنَّ قَوْلَهُ " وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى " غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ عَلَى ظَاهِرِهِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَيْضًا قَوْلُهُ :﴿ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ﴾ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ عِنْدَ الْجَمِيعِ عَلَى حَقِيقَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ نَوَى الصَّوْمَ كَانَ صَائِمًا، وَمَنْ نَوَى الصَّلَاةَ كَانَ مُصَلِّيًا، وَإِنْ لَمْ يَفْعَل شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ الصَّلَاةُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ دُونَ فِعْلِهَا، وَكَذَلِكَ الصَّوْمُ وَسَائِرُ الْفُرُوضِ وَالطَّاعَاتِ ؛ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ غَيْرُ مُكْتَفٍ بِنَفْسِهِ فِي إثْبَاتِ حُكْمِهِ إلَّا بِقَرِينَةٍ ؛ فَسَقَطَ احْتِجَاجُ الْمُخَالِفِ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدِهِمَا : أَنَّ الْحُكْمَ مُتَعَلِّقٌ بِمَعْنًى مَحْذُوفٍ وَيَحْتَاجُ إلَى دَلَالَةٍ فِي إثْبَاتِهِ، وَمَا كَانَ هَذَا وَصْفَهُ فَالِاحْتِجَاجُ بِظَاهِرِهِ