عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ ذَلِكَ فِي حَالَيْنِ، لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُتَقَدِّمُ مِنْهُمَا هُوَ الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ الزِّيَادَةُ وَالْآخَرُ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ فَيَكُونُ نَاسِخًا لَهُ، وَأَنْ يَكُونَ الَّذِي لَا زِيَادَةَ فِيهِ هُوَ الْمُتَقَدِّمُ، ثُمَّ وَرَدَ بَعْدَهُ ذِكْرُ الزِّيَادَةِ فَيَكُونُ نَاسِخًا لِلْأَوَّلِ بِإِثْبَاتِ الزِّيَادَةِ.
وَلَا سَبِيلَ لَنَا إلَى الْعِلْمِ بِتَارِيخِ الْخَبَرَيْنِ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ أَشَارَ الْجَمِيعُ مِنْ الرُّوَاةِ إلَى قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ ؛ فَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ التَّارِيخُ وَجَبَ إثْبَاتُ الزِّيَادَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ كُلَّ شَيْئَيْنِ لَا يُعْلَمُ تَارِيخُهُمَا فَالْوَاجِبُ الْحُكْمُ بِهِمَا مَعًا وَلَا يُحْكَمُ بِتَقَدُّمِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، كَالْغَرْقَى وَالْقَوْمُ يَقَعُ عَلَيْهِمْ الْبَيْتُ، وَكَمَا نَقُولُ فِي الْبَيْعَيْنِ مِنْ قِبَلِ رَجُلٍ وَاحِدٍ :" إذَا قَامَتْ عَلَيْهِمَا الْبَيِّنَةُ وَلَمْ يُعْلَمْ تَارِيخُهُمَا فَيُحْكَمُ بِوُقُوعِهِمَا مَعًا " فَكَذَلِكَ هَذَانِ الْخَبَرَانِ وَجَبَ الْحُكْمُ بِهِمَا مَعًا ؛ إذْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُمَا تَارِيخٌ، فَلَمْ يَثْبُتْ الْحُكْمُ إلَّا مَقْرُونًا بِالزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ : أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الشَّارِعَ قَدْ ذَكَرَ الزِّيَادَةَ وَأَثْبَتَهَا وَأَمَرَ بِاعْتِبَارِهَا بِقَوْلِهِ :﴿ مُرْهُ فَلْيَدَعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ يُطَلِّقَهَا إنْ شَاءَ ﴾ لِوُرُودِهَا مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ ؛ فَإِذَا كَانَتْ ثَابِتَةً فِي وَقْتٍ وَاحْتُمِلَ أَنْ تَكُونَ مَنْسُوخَةً بِالْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ حَذْفُ الزِّيَادَةِ وَاحْتُمِلَ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مَنْسُوخَةٍ، لَمْ يَجُزْ لَنَا إثْبَاتُ النَّسْخِ بِالِاحْتِمَالِ وَوَجَبَ بَقَاءُ حُكْمِ الزِّيَادَةِ، وَلَمَّا ثَبَتَ ذَلِكَ وَأَمَرَ الشَّارِعُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفَصْلِ بَيْنَ التَّطْلِيقَةِ الْمُوقَعَةِ فِي الْحَيْضِ وَبَيْنَ الْأُخْرَى الَّتِي أَمَرَهُ بِإِيقَاعِهَا بِحَيْضَةٍ وَلَمْ يُبِحْ لَهُ إيقَاعَهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَةَ، ثَبَتَ إيجَابُ الْفَصْلِ بَيْنَ كُلِّ


الصفحة التالية
Icon