فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصًّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِكَوْنِ الثَّلَاثِ مَعْصِيَةً.
فَإِنْ قِيلَ : لَمَّا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَائِرِ أَخْبَارِ ابْنِ عُمَرَ حِينَ ذَكَرَ الطُّهْرَ الَّذِي هُوَ وَقْتٌ لِإِيقَاعِ طَلَاقِ السُّنَّةِ " ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا إنْ شَاءَ " وَلَمْ يُخَصِّصْ ثَلَاثًا مِمَّا دُونَهَا، كَانَ ذَلِكَ إطْلَاقًا لِلِاثْنَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ مَعًا.
قِيلَ لَهُ : لَمَّا ثَبَتَ بِمَا قَدَّمْنَا مِنْ إيجَابِهِ الْفَصْلَ بَيْنَ التَّطْلِيقَتَيْنِ بِحَيْضَةٍ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ :" ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا إنْ شَاءَ " عَلِمْنَا أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ وَاحِدَةً لَا أَكْثَرَ مِنْهَا، لِاسْتِحَالَةِ إرَادَتِهِ نَسْخَ مَا أَوْجَبَهُ بَدِيًّا مِنْ إيجَابِهِ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا وَمَا اقْتَضَاهُ ذَلِكَ مِنْ حَظْرِ الْجَمْعِ بَيْنَ تَطْلِيقَتَيْنِ ؛ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ وُجُودُ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ فِي خِطَابٍ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَصِحُّ إلَّا بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْحُكْمِ وَالتَّمْكِينِ مِنْ الْفِعْلِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ فِي خِطَابٍ وَاحِدٍ : قَدْ أَبَحْت لَكُمْ هَذَا النَّابَ مِنْ السِّبَاعِ وَقَدْ حَظَرْته عَلَيْكُمْ ؟ لِأَنَّ ذَلِكَ عَبَثٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ فِعْلِ الْعَبَثِ.
وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّ قَوْلَهُ :" ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا إنْ شَاءَ " مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ حُكْمِهِ فِي ابْتِدَاءِ الْخِطَابِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَجْمَعَ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، وَأَيْضًا فَلَوْ خَلَا هَذَا اللَّفْظُ مِنْ دَلَالَةِ حَظْرِ الْجَمْعِ بَيْنَ التَّطْلِيقَتَيْنِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ لَمَا دَلَّ عَلَى إبَاحَتِهِ لِوُرُودِهِ مُطْلَقًا عَارِيًّا مِنْ ذِكْرِ مَا تَقَدَّمَ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ :" ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا إنْ شَاءَ " لَمْ يَقْتَضِ اللَّفْظُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ ؛ وَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي نَظَائِرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَوَامِرِ : أَنَّهُ إنَّمَا يَقْتَضِي أَدْنَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ وَإِنَّمَا يُصْرَفُ إلَى الْأَكْثَرِ بِدَلَالَةٍ، كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِآخَرَ طَلِّقْ امْرَأَتِي " أَنَّ


الصفحة التالية
Icon