هَذِهِ الْآيَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ :﴿ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾ وَقَدْ بَيَّنَ الشَّارِعُ الطَّلَاقَ لِلْعِدَّةِ، وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ إنْ أَرَادَ إيقَاعَ الثَّلَاثِ، وَمَتَى خَالَفَ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ.
قِيلَ لَهُ : نَسْتَعْمِلُ الْآيَتَيْنِ عَلَى مَا تَقْتَضِيَانِهِ مِنْ أَحْكَامِهِمَا، فَنَقُولُ : إنَّ الْمَنْدُوبَ إلَيْهِ الْمَأْمُورُ بِهِ هُوَ الطَّلَاقُ لِلْعِدَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَإِنْ طَلَّقَ لِغَيْرِ الْعِدَّةِ وَجَمَعَ الثَّلَاثَ وَقَعْنَ لِمَا اقْتَضَتْهُ الْآيَةُ الْأُخْرَى، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى :﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ﴾ وقَوْله تَعَالَى :﴿ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ ﴾ إذْ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ " فَطَلِّقُوهُنَّ " نَفْيٌ لِمَا اقْتَضَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْأُخْرَى ؛ عَلَى أَنَّ فِي فَحْوَى الْآيَةِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الطَّلَاقِ لِلْعِدَّةِ دَلَالَةٌ عَلَى وُقُوعِهَا إذَا طَلَّقَ لِغَيْرِ الْعِدَّةِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى :﴿ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾ إلَى قَوْله تَعَالَى :﴿ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾ فَلَوْلَا أَنَّهُ إذَا طَلَّقَ لِغَيْرِ الْعِدَّةِ وَقَعَ مَا كَانَ ظَالِمًا لِنَفْسِهِ بِإِيقَاعِهِ وَلَا كَانَ ظَالِمًا لِنَفْسِهِ بِطَلَاقِهِ.
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى وُقُوعِهَا إذَا طَلَّقَ لِغَيْرِ الْعِدَّةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى فِي نَسَقِ الْخِطَابِ :﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ : أَنَّهُ إذَا أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَى مَا أَمَرَهُ اللَّهُ كَانَ لَهُ مَخْرَجًا مِمَّا أَوْقَعَ إنْ لَحِقَهُ نَدَمٌ وَهُوَ الرَّجْعَةُ.
وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى تَأَوَّلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ حِينَ قَالَ لِلسَّائِلِ الَّذِي سَأَلَهُ وَقَدْ طَلَّقَ ثَلَاثًا : إنَّ اللَّهَ يَقُولُ :﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ وَإِنَّك لَمْ تَتَّقِ اللَّهَ فَلَمْ أَجِدْ لَك مَخْرَجًا، عَصَيْت رَبَّك وَبَانَتْ مِنْك امْرَأَتُك، وَلِذَلِكَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ :"