لَوْ أَنَّ النَّاسَ أَصَابُوا حَدَّ الطَّلَاقِ مَا نَدِمَ رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ".
فَإِنْ قِيلَ : لَمَّا كَانَ عَاصِيًا فِي إيقَاعِ الثَّلَاثِ مَعًا لَمْ يَقَعْ ؛ إذْ لَيْسَ هُوَ الطَّلَاقُ الْمَأْمُورُ بِهِ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا بِأَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ لَمْ يَقَعْ إذَا جَمَعَهُنَّ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ.
قِيلَ لَهُ : أَمَّا كَوْنُهُ عَاصِيًا فِي الطَّلَاقِ فَغَيْرُ مَانِعٍ صِحَّةَ وُقُوعِهِ لِمَا دَلَّلْنَا عَلَيْهِ فِيمَا سَلَفَ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الظِّهَارَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا وَحَكَمَ مَعَ ذَلِكَ بِصِحَّةِ وُقُوعِهِ، فَكَوْنُهُ عَاصِيًا لَا يَمْنَعُ لُزُومَ حُكْمِهِ، وَالْإِنْسَانُ عَاصٍ لِلَّهِ فِي رِدَّتِهِ عَنْ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَمْنَعْ عِصْيَانُهُ مِنْ لُزُومِ حُكْمِهِ وَفِرَاقِ امْرَأَتِهِ، وَقَدْ نَهَاهُ اللَّهُ عَنْ مُرَاجَعَتِهَا ضِرَارًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ﴾ فَلَوْ رَاجَعَهَا وَهُوَ يُرِيدُ ضِرَارَهَا لَثَبَتَ حُكْمُهَا وَصَحَّتْ رَجْعَتُهُ.
وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَكِيلِ، فَهُوَ أَنَّ الْوَكِيلَ إنَّمَا يُطَلِّقُ لِغَيْرِهِ وَعَنْهُ يُعَبِّرُ، وَلَيْسَ يُطَلِّقُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَمْلِكُ مَا يُوقِعُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ حُقُوقِ الطَّلَاقِ وَأَحْكَامِهِ ؟ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِمَا يُوقِعُهُ وَإِنَّمَا يَصِحُّ إيقَاعُهُ لِغَيْرِهِ مِنْ جِهَةِ الْأَمْرِ ؛ إذْ كَانَتْ أَحْكَامُهُ تَتَعَلَّقُ بِالْأَمْرِ دُونَهُ، لَمْ يَقَعْ مَتَى خَالَفَ الْأَمْرَ، وَأَمَّا الزَّوْجُ فَهُوَ مَالِكُ الطَّلَاقِ وَبِهِ تَتَعَلَّقُ أَحْكَامُهُ وَلَيْسَ يُوقِعُ لِغَيْرِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَقَعَ مِنْ حَيْثُ كَانَ مَالِكًا لِلثَّلَاثِ ؛ وَارْتِكَابُ النَّهْي فِي طَلَاقِهِ غَيْرُ مَانِعِ وُقُوعِهِ كَمَا وَصَفْنَا فِي الظِّهَارِ وَالرَّجْعَةِ وَالرِّدَّةِ وَسَائِرِ مَا يَكُونُ بِهِ عَاصِيًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَطِئَ أُمَّ امْرَأَتِهِ بِشُبْهَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ ؟ وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ حُكْمِ الزَّوْجِ فِي مِلْكِهِ لِلثَّلَاثِ مِنْ