الْمُسَاتَرَةِ.
وقَوْله تَعَالَى :﴿ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ﴾ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا : قَبُولُ التَّوْبَةِ مِنْ خِيَانَتِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ، وَالْآخَرُ : التَّخْفِيفُ عَنْكُمْ بِالرُّخْصَةِ وَالْإِبَاحَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ﴾ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ : خَفَّفَ عَنْكُمْ، وَكَمَا قَالَ عَقِيبَ ذِكْرِ حُكْمِ قَتْلِ الْخَطَإِ :﴿ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ ﴾ يَعْنِي تَخْفِيفَهُ ؛ لِأَنَّ قَاتِلَ الْخَطَأ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا تَلْزَمُهُ التَّوْبَةُ مِنْهُ، وقَوْله تَعَالَى :﴿ وَعَفَا عَنْكُمْ ﴾ يَحْتَمِلُ أَيْضًا الْعَفْوَ عَنْ الذَّنْبِ الَّذِي اقْتَرَفُوهُ بِخِيَانَتِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ لَمَّا أَحْدَثُوا التَّوْبَةَ مِنْهُ عَفَا عَنْهُمْ فِي الْخِيَانَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا التَّوْسِعَةُ وَالتَّسْهِيلُ بِإِبَاحَةِ مَا أَبَاحَ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ يُعَبَّرُ بِهِ فِي اللُّغَةِ عَنْ التَّسْهِيلِ، كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ وَآخِرُهُ عَفْوُ اللَّهِ ﴾ يَعْنِي تَسْهِيلَهُ وَتَوْسِعَتَهُ وقَوْله تَعَالَى :﴿ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ ﴾ إبَاحَةٌ لِلْجِمَاعِ الْمَحْظُورِ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي لَيَالِي الصَّوْمِ، وَالْمُبَاشَرَةِ هِيَ إلْصَاقِ الْبَشَرَةِ بِالْبَشَرَةِ، وَهِيَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كِنَايَةٌ عَنْ الْجِمَاعِ ؛ قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمُ :" هِيَ الْمُوَاقَعَةُ وَالْجِمَاعُ " وَقَالَ فِي الْمُبَاشَرَةِ مَرَةً :" هِيَ إلْصَاقُ الْجِلْدِ بِالْجِلْدِ "، وَقَالَ الْحَسَنُ :" الْمُبَاشَرَةِ النِّكَاحُ "، وَقَالَ مُجَاهِدً :" الْجِمَاعُ " وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلّ :﴿ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾.
وَقَوْلُهُ :﴿ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾، قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :" الْوَلَدُ "، وَعَنْ مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ وَالضَّحَّاكِ وَالْحَكَمِ مِثْلُهُ، وَرَوَى مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنْ


الصفحة التالية
Icon