فَقَالَ لَهُ : اخْتَرْ أَيَّهُمَا شِئْت } وَرَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ قَالَ : شَهِدْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَيَّرَ صَبِيًّا بَيْنَ أَبَوَيْهِ.
فَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى غُلَامًا بَعْدَ الْبُلُوغِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ خَيَّرَ غُلَامًا وَقَالَ :( لَوْ قَدْ بَلَغَ هَذَا يَعْنِي أَخًا لَهُ صَغِيرًا لَخَيَّرْتُهُ ).
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ كَانَ كَبِيرًا.
وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ﴿ أَنَّ امْرَأَةً خَاصَمَتْ زَوْجَهَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَتْ : إنَّهُ طَلَّقَنِي وَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْزِعَ مِنِّي ابْنِي وَقَدْ نَفَعَنِي وَسَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اسْتَهِمَا عَلَيْهِ فَقَالَ : مَنْ يُحَاجُّنِي فِي ابْنِي ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا غُلَامُ هَذِهِ أُمُّك وَهَذَا أَبُوك فَاخْتَرْ أَيَّهمَا شِئْت فَأَخَذَ الْغُلَامُ بِيَدِ أُمِّهِ ﴾ ؛ وَقَوْلُ الْأُمِّ ( قَدْ سَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ كَبِيرًا.
وَقَدْ اتَّفَقَ الْجَمِيعُ أَنَّهُ لَا اخْتِيَارَ لِلصَّغِيرِ فِي سَائِرِ حُقُوقِهِ، وَكَذَلِكَ فِي الْأَبَوَيْنِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ :( لَا يُخَيَّرُ الْغُلَامُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَارُ إلَّا شَرَّ الْأَمْرَيْنِ ).
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : هُوَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَارُ اللَّعِبَ وَالْإِعْرَاضَ عَنْ تَعَلُّمِ الْأَدَبِ وَالْخَيْرِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَبَ أَقْوَمُ بِتَأْدِيبِهِ وَتَعْلِيمِهِ، وَأَنَّ فِي كَوْنِهِ عِنْدَ الْأُمِّ ضَرَرًا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يُنَشَّأُ عَلَى أَخْلَاقِ النِّسَاءِ.
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ﴾ فَإِنَّهُ عَائِدٌ عَلَى الْمَضَارِّ نَهْيُ الرَّجُلِ أَنْ يُضَارَّهَا بِوَلَدِهَا وَنَهْيُ الْمَرْأَةِ أَيْضًا أَنْ تُضَارَّ بِوَلَدِهِ.
وَالْمُضَارَّةُ مِنْ جِهَتِهَا


الصفحة التالية
Icon